البابا فرنسيس: رحلة “بابا الفقراء” من بوينس آيرس إلى الفاتيكان
في صباح يوم الإثنين الموافق 21 أبريل 2025، أعلن الفاتيكان رسمياً عن وفاة البابا فرنسيس عن عمر ناهز 88 عاماً، منهياً مسيرة دينية استثنائية دامت 12 عاماً في قيادة الكنيسة الكاثوليكية. يُعتبر خورخي ماريو بيرجوليو -الاسم الأصلي للبابا الراحل- أول حبر أعظم من العالم الجديد، وأول بابا يسوعي في التاريخ، وصاحب أحدث تحولات فكرية في مواقف الكنيسة تجاه القضايا الاجتماعية.
النشأة والمسيرة الكهنوتية المبكرة
وُلد بيرجوليو في 17 ديسمبر 1936 بضاحية فلوريس الفقيرة في بوينس آيرس، لأسرة مهاجرة من إيطاليا فرّت من النظام الفاشي. عمل والده في السكك الحديدية بينما كرّست والدتها حياتها لتربية أبنائها الخمسة. عانى في شبابه من التهاب رئوي حاد تطلّب استئصال جزء من رئته اليمنى عام 1957، وهي التجربة التي شكلت نظرته الإنسانية نحو معاناة الفقراء.
التحوّل من الكيمياء إلى الكهنوت
بعد حصوله على دبلوم فني كيميائي عام 1955، اختار بيرجوليو طريق الرهبنة اليسوعية عام 1958، ليُرسَم كاهناً في 13 ديسمبر 1969. أكمل دراساته الفلسفية واللاهوتية بين الأرجنتين وتشيلي وألمانيا، حيث حصل على الدكتوراه في اللاهوت من جامعة ألكالا الإسبانية عام 1986.
الإصلاحات الاجتماعية والمواقف الجريئة
عُرف البابا الراحل بمواقفه الحاسمة تجاه قضايا العدالة الاجتماعية، حيث وصف النظام الاقتصادي العالمي بأنه “اقتصاد يستثني الفقراء” خلال خطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2015. أصدر عام 2015 وثيقته البابوية “Laudato Si’” التي دعت إلى حماية البيئة، معتبراً إياها “قضية أخلاقية ملحّة”.
الانفتاح على الأديان والثقافات
قام البابا فرنسيس بخطوات غير مسبوقة في الحوار بين الأديان، حيث زار الأزهر الشريف عام 2017، وأصدر مع شيخ الأزهر وثيقة “الأخوة الإنسانية” عام 2019. كما غسل أرجل لاجئين مسلمين خلال طقس خميس الأسرار عام 2016، في خطوة رمزية لدعم التعايش الديني.
الإرث الإصلاحي والجدل
أدخل البابا الراحل إصلاحات هيكلية في جهاز الكوريا الرومانية (الحكومة البابوية)، حيث قلّص صلاحيات الدائرة المالية بعد فضائض فساد كبرى عام 2014. لكن مواقفه الداعية إلى تقبّل المثليين جزئياً وفتح باب الشركة للمطلقين أثارت جدلاً داخل الأوساط المحافظة.
العلاقة مع السلطات الأرجنتينية
خلال الدكتاتورية العسكرية في الأرجنتين (1976-1983)، تعرضت إدارة بيرجوليو لانتقادات بسبب تعامله مع نظام فيديلا. لكن تقارير مستقلة أكدت لاحقاً جهوده السرية في إنقاذ معارضين من خلال شبكة كنائس تحت الأرض.
السنوات الأخيرة والوفاة
عانى البابا الراحل من مشاكل صحية متكررة منذ عام 2023، حيث خضع لعملية استئصال جزء من القولون وأصيب بالتهابات رئوية متعددة. توفي في مستشفى جيميلي بروما حيث كان يتلقى العلاج منذ فبراير 2025، بعد يوم واحد من إلقاء خطاب عيد الفصح الذي دعا فيه لإنهاء الحروب في أوكرانيا وغزة.
التأثير العالمي والإرث الإنساني
يترك البابا فرنسيس إرثاً من 14 وثيقة بابوية و3 رسائل عامة، إلى جانب 30 زيارة رسولية دولية. صنفته مجلة “تايم” كواحد من أكثر الشخصيات تأثيراً عالمياً لست سنوات متتالية، مع تركيز خاص على دفاعه عن حقوق المهاجرين والفقراء.










