14 منظمة حقوقية تدين قتل شابين واحتجاز نساء في مرسى مطروح وتطالب بمحاسبة المسؤولين
أدانت 14 منظمة حقوقية ما وصفته بـ”جريمة قتل خارج نطاق القانون” راح ضحيتها شابان في محافظة مرسى مطروح المصرية، كما استنكرت اعتقال عشرات النساء تعسفياً، واعتبرته عقاباً جماعياً يرقى إلى مرتبة الاحتجاز القسري. وطالبت المنظمات بفتح تحقيق عاجل ومحايد وشفاف في الواقعة التي هزت المنطقة وأثارت غضباً واسعاً بين القبائل، مما دفع مجلس العمد والمشايخ إلى وقف التعامل مع أجهزة الأمن في المحافظة.
خلفية الأحداث وتطورها
تعود تفاصيل الواقعة إلى يوم الأربعاء الموافق 9 أبريل 2025، عندما شهدت مدينة النجيلة بمحافظة مطروح اشتباكات مسلحة بين قوات الشرطة وأحد المطلوبين للعدالة لتنفيذ حكم بالسجن المؤبد في قضية اتجار بالمخدرات، مما أسفر عن مقتل ثلاثة من أفراد الشرطة وهروب المطلوب.
وفي مساء اليوم نفسه، ألقت قوات الأمن القبض تعسفياً على 23 سيدة من أقارب المتهم وجيرانه، في خطوة وصفتها المنظمات الحقوقية بأنها “عقاب جماعي مهين يهدف إلى إجبار المتورطين على تسليم أنفسهم”، رغم نفي وزارة الداخلية لهذا الإجراء في بيان لاحق.
بعد الضغط من أهالي مطروح لإطلاق سراح النساء المحتجزات، جرى الاتفاق على تسليم شابين من أقارب المتهمين مقابل إطلاق سراحهن. وبناءً على وساطة قبلية وضمانات من مشايخ المنطقة، تم تسليم الشابين يوسف عيد فضل السرحاني (17 عاماً) وفرج رباش الفزاري (18 عاماً) للشرطة بهدف استجوابهما فقط.
تناقض الروايات بين الأهالي والسلطات
وفقاً لشهادة أحد شهود الواقعة، تم التنسيق مع ضابط من قطاع الأمن الوطني بالسلوم لتسليم الشابين مقابل الإفراج عن النساء المحتجزات، على أن يُستجوبا بشأن مقتل أفراد الشرطة الثلاثة، وإطلاق سراحهما في حال عدم ثبوت علاقتهما بالواقعة.
وذكر الشاهد أن تسليم الشابين تم عند الكيلو 30 قبل السلوم في تمام الساعة السادسة والنصف من مساء الخميس 10 أبريل 2025، ليفاجأ الأهالي في اليوم التالي ببيان من وزارة الداخلية يعلن عن مقتلهما نتيجة تبادل إطلاق النار.
في المقابل، قالت وزارة الداخلية في بيانها الصادر يوم الجمعة 11 أبريل 2025 أن “مجرمين شديدي الخطورة قُتلا في تبادل إطلاق النار مع قوات الأمن في محافظة مطروح، خلال تنفيذ حملة أمنية بهدف اعتقالهما للاشتباه في تورطهما بهجوم على قسم شرطة النجيلة في مطروح”.
مواقف المنظمات الحقوقية وردود الفعل المحلية
أكدت المنظمات الحقوقية أن الممارسات الأمنية التي وصفتها شهادات الأهالي تصل إلى حد جرائم إعدام خارج إطار القضاء، وتتسق مع وقائع مشابهة وثقتها منظمات حقوقية؛ بذريعة تبادل إطلاق النار ومكافحة الإرهاب، ودائماً ما تقترن بإفلات الجناة من العقاب.
وشددت المنظمات على أن تجاهل محاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات في محافظة مرسى مطروح “يكرس لثقافة الإفلات من العقاب بين رجال الأمن هناك، وييسر تكرار هذه الانتهاكات، الأمر الذي يهدد السلم في مجتمع يمتاز بصفات اجتماعية وثقافية وروابط عائلية وعشائرية قوية”.
من جانبه، عقد مجلس العمد والمشايخ في محافظة مطروح اجتماعاً طارئاً، وقرر بالإجماع وقف التعامل وتعليق كل أشكال التعاون مع أجهزة الأمن في مطروح، وعلى رأسها أقسام الشرطة، إلى حين الانتهاء الكامل من التحقيقات الجارية.
كما أصدرت نقابة المحامين في مطروح بياناً شديد اللهجة، أدانت فيه احتجاز النساء دون أمر قضائي، ووصفت تلك الإجراءات بأنها “جريمة تُجرّمها القوانين والدستور” واعتبرت أن “القاء القبض على النساء وسيلة للضغط على متهم إجراء باطل قانونا وجريمة مؤلمة مؤثرة”.
سوابق مماثلة في المنطقة
جدير بالذكر أن محافظة مطروح شهدت تكراراً للنمط نفسه من الانتهاكات، إذ وقعت واقعة قتل خارج إطار القضاء في شهر يوليو 2023، راح ضحيتها المواطن “حفيظ حوية عبد ربه أبو بكر” بعد إصابته بعدة طلقات نارية أدت إلى وفاته على يد ضابط شرطة.
وأعقب تلك الحادثة مناوشات بين الأهالي والشرطة، وإصدار أحكام تفتقر إلى العدالة، أسفرت عن تبرئة الضابط وإدانة الأهالي، في مؤشر واضح على ازدواجية المعايير القضائية في قضايا الانتهاكات الأمنية.
مطالبات بالمحاسبة والتحقيق الشفاف
طالبت المنظمات الحقوقية النائب العام المصري بالتحقيق، بشكل عاجل وشفاف ومحايد، في جريمة قتل الشابين، وكذلك وقائع احتجاز عشرات النساء تعسفياً. كما دعت إلى وقف استخدام الأقارب والدوائر الاجتماعية رهائن للضغط على المطلوبين، لما يمثله ذلك من خرق فج للقانون وحقوق الإنسان.
وطالب مجلس العمد والمشايخ بلقاء عاجل مع القيادة السياسية لنقل مطالب القبائل، والتي تتضمن رفضاً قاطعاً لاحتجاز النساء واستخدامهن كوسيلة ضغط في النزاعات الأمنية.
وأكدت المنظمات الحقوقية أن الواقعة تمثل خرقاً جسيماً للدستور والقانون الدولي، وانتهاكاً صارخاً للحق في الحياة والمحاكمة العادلة، مشددة على أن هذه الممارسات تندرج ضمن نمط ممنهج لانتهاكات متكررة ترتكبها أجهزة الأمن، مستندة إلى إفلات تام من العقاب، تحت ذريعة “مكافحة الإرهاب”.
الخلاصة والتوصيات
إن حادثة مقتل الشابين يوسف السرحاني وفرج الفرازي في مطروح تسلط الضوء على الحاجة الملحة لإصلاح المنظومة الأمنية وتعزيز آليات المساءلة في مصر. وتؤكد المنظمات الحقوقية على أهمية فتح تحقيق نزيه يضمن محاسبة المتورطين في الانتهاكات أياً كانت مواقعهم، ووقف استخدام سياسة العقاب الجماعي.
كما تدعو إلى تفعيل الرقابة المستقلة على أماكن الاحتجاز، والسماح بزيارات دورية لمنظمات حقوق الإنسان واللجنة الدولية للصليب الأحمر. وتشدد على ضرورة احترام حقوق الإنسان أثناء تنفيذ العمليات الأمنية، وضمان عدم اللجوء إلى استهداف الأبرياء أو استخدام وسائل غير قانونية في ملاحقة المطلوبين للعدالة.
في النهاية، من الضروري استعادة الثقة بين الأجهزة الأمنية والمجتمعات المحلية في مناطق مثل مطروح، من خلال تأسيس علاقة مبنية على احترام القانون وحقوق الإنسان، وليس على ترهيب المواطنين واستخدام القوة المفرطة ضدهم.










