انطلقت، ظهر اليوم الأربعاء، في قاعة أحمد الشقيري بمقر الرئاسة الفلسطينية في مدينة رام الله، أعمال الدورة الـ32 للمجلس المركزي الفلسطيني، تحت عنوان: “لا للتهجير ولا للضم – الثبات في الوطن – إنقاذ أهلنا في غزة ووقف الحرب – حماية القدس والضفة الغربية، نعم للوحدة الوطنية الفلسطينية الجامعة”.
استُهلت الجلسة الافتتاحية للدورة بعزف النشيد الوطني الفلسطيني وقراءة الفاتحة على أرواح شهداء فلسطين، في لحظة مؤثرة تعكس التمسك بالثوابت الوطنية وتضحيات الشعب الفلسطيني الممتدة.
ويشكل المؤتمر أهمية لمنظمة التحرير الفلسطينية يتمثل في استحداث منصب نائب للرئيس لأول مرة منذ تأسيسها، حيث يجتمع المجلس المركزي الفلسطيني اليوم الأربعاء 23 أبريل 2025 وغداً الخميس 24 أبريل لإقرار التعديلات اللازمة على النظام الأساسي للمنظمة.
وقد سبق أن أعلن الرئيس محمود عباس عن هذه الخطوة خلال القمة العربية الطارئة في القاهرة مطلع مارس الماضي، حيث تبرز عدة شخصيات بارزة كمرشحين محتملين لهذا المنصب، في مقدمتهم حسين الشيخ وجبريل الرجوب وآخرون. تأتي هذه الخطوة وسط إصلاحات إدارية وسياسية في المؤسسات الفلسطينية، وتحديات تواجه القضية الفلسطينية على المستويين الإقليمي والدولي.
خلفية استحداث المنصب وسياقه السياسي
يأتي قرار استحداث منصب نائب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية في سياق سياسي مهم، حيث أعلن الرئيس محمود عباس عن هذه الخطوة خلال القمة العربية الطارئة التي عقدت في القاهرة مطلع مارس 2025. جاء هذا الإعلان في ظل مطالبات متعددة من جهات عربية وأوروبية وأمريكية بإجراء إصلاحات على النظام السياسي الفلسطيني.
وعلى الرغم من هذه المطالبات الخارجية، فقد أوضح عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أحمد مجدلاني أن استحداث المنصب مرتبط بمتطلبات داخلية، وليس نتيجة ضغوط خارجية، مشيرًا إلى أن الرئيس عباس كان يصر منذ سنوات على وجود نائب له لمساعدته في أداء مهامه.
وتتزامن هذه الخطوة مع إصلاحات إدارية تنفذها الحكومة الفلسطينية، شملت دمج هيئات حكومية ضمن وزاراتها الرئيسية وتوزيع موظفيها، إلى جانب إحالة آلاف الضباط في الأجهزة الأمنية للتقاعد وفق شروط محددة.كما يجري بحث مقترحات لإحالة موظفين مدنيين للتقاعد في حال تجاوزت مدة خدمتهم 28 عامًا، حتى دون بلوغهم سن التقاعد القانوني (60 عامًا).
الإطار القانوني والإجراءات التنظيمية
يستلزم استحداث منصب نائب الرئيس تعديلًا في النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وتحديدًا المادة 13 التي تنظم عملية انتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية ورئيسها.
وتنص هذه المادة حاليًا على: “أ- يتم انتخاب جميع أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير من قبل المجلس الوطني، ب- يتم انتخاب رئيس اللجنة التنفيذية من قبل اللجنة التنفيذية، ج- تنتخب اللجنة التنفيذية داخل المجلس الوطني”.
وسيقوم المجلس المركزي الفلسطيني بتعديل الفقرة (ب) من المادة 13 من النظام الداخلي، بحيث تُمنح اللجنة التنفيذية صلاحية انتخاب نائب لرئيسها. وتؤول صلاحيات المجلس الوطني إلى المجلس المركزي عندما لا ينعقد الأول، حيث قرر المجلس الوطني الفلسطيني (برلمان الشعب الفلسطيني) في عام 2018 تفويض المجلس المركزي تولي صلاحياته في الظروف السياسية الخاصة.
ويضم المجلس المركزي الفلسطيني حوالي 180-188 عضوًا، ويمثل الهيئة الوسيطة بين المجلس الوطني الفلسطيني واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.
وقد وجه رئيس المجلس الوطني الفلسطيني دعوات إلى أعضاء المجلس المركزي للاجتماع يومي 23 و24 أبريل 2025 في رام الله.
المرشحون المحتملون لمنصب نائب الرئيس
يتصدر عدة أسماء قائمة المرشحين المحتملين لمنصب نائب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، وفقًا للتقارير والمصادر المختلفة. وتشير المعلومات إلى أن ثلاثة مرشحين رئيسيين يتقدمون المشهد:
حسين الشيخ
يعتبر حسين الشيخ من أبرز المرشحين لمنصب نائب الرئيس، وهو حاليًا أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. ويوصف الشيخ بأنه الأقرب للرئيس محمود عباس، حيث يرافقه في كل جولاته الخارجية والمؤتمرات الإقليمية والدولية واجتماعاته الداخلية.
وتشير المصادر إلى أن للشيخ علاقات على المستويين العربي والدولي، وقد انخرط بشكل كبير في الملف السياسي.
يُنظر إلى الشيخ على أنه الذراع اليمنى لعباس وأحد المقربين منه.وتعتبر بعض المصادر من داخل حركة فتح ومن منظمة التحرير أن الشيخ هو الأوفر حظًا لنيل منصب نائب الرئيس.
جبريل الرجوب
يبرز جبريل الرجوب كمنافس قوي على المنصب، وهو أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح. تربط الرجوب علاقات دولية قوية، ويراه العديد من أعضاء حركة فتح قائدًا مقربًا إلى صفوف القاعدة بخطابه الشعبوي.
يمتلك الرجوب إرثًا أمنيًا من خلال عمله في مقار الأمن الوقائي، حيث كان عميدًا ثم لواءً، وعند تشكيل مجلس الأمن القومي الفلسطيني، انضم إليه بصفته “مقررًا”، وكان كذلك مستشارًا للأمن القومي للرئيس عباس. كما شغل الرجوب منصب رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم في دورته الأولى 2008-2012.
روحي فتوح
يظهر روحي فتوح كمرشح ثالث محتمل، وهو حاليًا رئيس المجلس الوطني الفلسطيني. ويتولى فتوح دستوريًا الرئاسة في حال شغور المنصب إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية. تم انتخابه رئيسًا للمجلس الوطني الفلسطيني عام 2022، وفي نوفمبر 2024 أصدر عباس مرسومًا دستوريًا يتولى بموجبه روحي فتوح منصب رئيس السلطة الفلسطينية إذا شغر.
شغل فتوح سابقًا عدة مناصب بارزة، منها الممثل الشخصي لرئيس السلطة، ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ورئيس دائرة المغتربين في المنظمة.
مرشحون آخرون
بالإضافة إلى الأسماء الثلاثة الرئيسية، هناك مرشحون آخرون محتملون:
-عزام الأحمد: القيادي في حركة فتح وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.
- زياد أبو عمرو: عضو اللجنة التنفيذية، وتشير بعض المصادر إلى أن عباس قد يدفع باتجاه انتخابه لهذا المنصب، لا سيما أنه يتحدر من قطاع غزة الذي يشهد حربًا مدمرة منذ أكثر من 18 شهرًا.
آلية اختيار نائب الرئيس والصلاحيات المتوقعة
تتضمن عملية اختيار نائب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية عدة خطوات تنظيمية وقانونية، وتثير تساؤلات حول الصلاحيات التي سيتمتع بها شاغل هذا المنصب.
سيناريوهات الاختيار
وفقًا للمصادر المتاحة، هناك سيناريوهان محتملان لآلية اختيار نائب الرئيس:
- الانتخاب داخل منظمة التحرير: حيث تقوم اللجنة التنفيذية بانتخاب نائب للرئيس من بين أعضائها. وقد أكد عضو اللجنة التنفيذية بمنظمة التحرير، واصل أبو يوسف، أن أعضاء اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير هم من سينتخبون نائب الرئيس.
- التعيين من الرئيس ونيل الموافقة: حيث يقترح الرئيس عباس شخصًا لشغل المنصب، ثم يتم التصويت عليه داخل اللجنة التنفيذية.وقد ذكر مصدر خاص أن اللجنة المركزية لحركة فتح قررت في اجتماعها يوم الثلاثاء تفويض الرئيس الفلسطيني محمود عباس لاختيار نائبه في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، من بين ممثلي “فتح” في اللجنة التنفيذية.
وفيما يتعلق بالإطار القانوني، أوضح عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير رمزي رباح أن استحداث منصب نائب الرئيس “يندرج نظاميًا ضمن القانون الأساسي لمنظمة التحرير، وتحديدًا المادة 18 منه، التي تنص على أنه يحق للمنظمة استحداث دوائر ومسؤوليات على أعضائها، في إطار عملها، وبما يلبي احتياجات وضرورات عملها”.
طبيعة المنصب والصلاحيات المتوقعة
سيكون المنصب الجديد “نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ودولة فلسطين”. وأوضح مجدلاني أن النظام السياسي الفلسطيني يستند في شرعيته إلى منظمة التحرير باعتبارها الكيان التمثيلي الأعلى، وليس إلى السلطة الفلسطينية.
ويتعين على المجلس المركزي الفلسطيني أن يحدد المسؤوليات المنوطة بنائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير. ومن المتوقع أن تشمل صلاحيات نائب الرئيس مساعدة الرئيس في أداء مهامه، والمشاركة في إدارة ملفات مهمة مثل العلاقات الدولية والمصالحة الوطنية والملف الاقتصادي.
ويبدو أن حسين الشيخ يتصدر قائمة المرشحين، نظرًا لقربه من الرئيس عباس وعلاقاته العربية والدولية، لكن التنافس مازال قائمًا مع شخصيات وازنة أخرى مثل جبريل الرجوب وروحي فتوح وغيرهم. ومن المتوقع أن يتم الإعلان عن شاغل هذا المنصب عقب انتهاء اجتماع المجلس المركزي وإقرار التعديلات اللازمة على النظام الأساسي.
وبغض النظر عن هوية من سيشغل هذا المنصب، فإن النجاح في أداء مهامه سيعتمد على قدرته على التعامل مع الملفات المعقدة والتحديات الكبيرة التي تواجه القضية الفلسطينية، وعلى مدى توافر الدعم الشعبي والسياسي له على المستويين الداخلي والخارجي. ويبقى الأهم هو تعزيز دور منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، وتفعيل مؤسساتها بما يخدم المصالح الوطنية الفلسطينية.










