في زمن يُعاد فيه تشكيل خرائط القوة والموارد، تمدّ السعودية يدها إلى الغرب لا فقط لبيع المعدن، بل لشراء مكانة. صفقة بمليارات الريالات لا تُقاس بثمن التيتانيوم وحده، بل بثقلها في ميزان السياسة والاقتصاد.
شركة “إيرباص” تبحث عن بدائل للتيتانيوم الروسي، فتجده في رمال الجزيرة، بينما تسعى المملكة لتطويع السماء ضمن رؤيتها الطامحة للريادة. بين شح الموارد وغواية الأرباح، تتشابك خيوط الطموح الأوروبي بالاستثمار السعودي، في مشهد لا يخلو من رسائل سياسية مبطّنة، ولا من رهانات تتجاوز مجرد تصنيع طائرة.
صفقة بمليارات الريالات
أعلنت شركة “إيرباص” الأوروبية لصناعة الطائرات، يوم الأربعاء، توقيع اتفاق لشراء مواد خام من السعودية بقيمة 2.5 مليار ريال (ما يعادل 666 مليون دولار)، معظمها من معدن التيتانيوم. وتأتي الصفقة ضمن اتفاق أشمل يشمل تزويد “الخطوط الجوية السعودية” بما يصل إلى 20 طائرة عريضة البدن، مخصصة للمسافات الطويلة.
خلفية الصفقة: العقوبات والعجز في المعادن
يأتي هذا الاتفاق في سياق أزمة مستمرة تعاني منها شركات الطيران العالمية نتيجة العقوبات المفروضة على روسيا بسبب غزو أوكرانيا، ما أدى إلى ندرة في المعادن الأساسية مثل التيتانيوم، وارتفاع أسعارها. كما ساهمت الرسوم الجمركية المتبادلة التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في تعقيد سلاسل التوريد، لتصبح الحاجة إلى موردين جدد أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.
السعودية… بوابة بديلة ووجهة طموحة
بموجب الاتفاق، ستقوم “الخطوط الجوية السعودية” بشراء 10 طائرات من طراز “إيه 330 نيو”، مع خيار لشراء 10 طائرات إضافية. وتأتي هذه الخطوة ضمن خطة أوسع للمملكة تسعى من خلالها إلى التحول إلى مركز عالمي للطيران والسياحة، بالإضافة إلى تعزيز قدراتها الصناعية في قطاع الطيران ضمن “رؤية السعودية 2030”.
ما وراء الصفقة
لا تقف هذه الصفقة عند حدود الاقتصاد، بل تمتد إلى عمق السياسة الدولية. السعودية، عبر هذه الاتفاقات، تقدم نفسها كشريك موثوق في أوقات الاضطراب العالمي. ومن جهة أخرى، تجد أوروبا ضالتها في تأمين سلسلة توريد مستقرة بمعزل عن موسكو.
ما يبدو أنه صفقة تجارية، يخفي خلفه مشهدًا سياسيًا متكاملًا: توازنات جديدة، تحالفات ناعمة، ورغبة سعودية في كتابة سطورها الخاصة على خريطة العالم الصناعي.
في النهاية، يبقى السؤال مطروحًا: هل تنجح المملكة في تثبيت موقعها كمورد استراتيجي ومركز صناعي عالمي؟ أم أن العالم المتقلّب سيعيد ترتيب أوراقه من جديد، كما فعل دائمًا؟











