إسطنبول تتأرجح على حافة الخطر: زلزال بقوة 6.2 درجة يضرب المدينة ويعيد المخاوف من كارثة وشيكة
تفاصيل الزلزال المفاجئ
هز زلزال قوي بلغت شدته 6.2 درجة على مقياس ريختر مدينة إسطنبول التركية صباح اليوم الأربعاء، مما أعاد إلى الواجهة تحذيرات العلماء المتكررة من أن المدينة تواجه خطر “الاختفاء” بسبب زلزال مدمر متوقع قد يحصد أرواح مئات الآلاف من السكان ويدمر مئات آلاف المباني.
أعلن مركز إدارة الكوارث والطوارئ التركي (آفاد) أن الزلزال وقع قبالة سواحل مدينة سيلفري على عمق 6.92 كيلومتر تحت سطح الأرض، وشعر به سكان العديد من المدن المجاورة.
وقد سبق هذا الزلزال القوي هزة أرضية أضعف بقوة 3.9 درجة، وذلك قبل أقل من نصف ساعة من الزلزال الرئيسي، ليصل مجموع الهزات التي ضربت المنطقة إلى ثلاث هزات خلال نصف ساعة.
وفي إجراء احترازي، انتشرت فرق البحث والإنقاذ في كافة أنحاء المدينة، ودعت السلطات المواطنين إلى الابتعاد عن المباني المحتمل تعرضها للخطر ومتابعة تحديثات الطوارئ.
تحذيرات متكررة: 600 ألف مبنى معرض للانهيار الفوري
يأتي زلزال اليوم ليذكر بالتحذيرات المتكررة التي أطلقها مسؤولون أتراك وخبراء دوليون بشأن الوضع الخطير الذي تواجهه إسطنبول، أكبر مدن تركيا ومركزها الاقتصادي.
في تصريحات صادمة، كشف وزير البيئة والتخطيط العمراني التركي مراد كوروم أن “600 ألف بناء سكني يقطنها حوالي 2.5 مليون نسمة معرضة لخطر الانهيار في الدقائق الأولى من زلزال قد يضرب إسطنبول”.
وأضاف كوروم أن خمس إجمالي عدد المنازل في إسطنبول، حوالي 1.5 مليون منزل، لا تلبي متطلبات السلامة في حالة وقوع زلزال محتمل، مما يعني أن ملايين السكان يعيشون في مبانٍ غير آمنة.
وأكد وزير التنمية الحضرية التركي في وقت سابق من هذا العام أن إسطنبول “لن تستطيع الصمود أمام زلزال” متوقع، في تصريح يعكس حالة القلق العميق لدى المسؤولين الأتراك.
خطر جيولوجي متنامٍ
تكمن الخطورة الأساسية في أن إسطنبول تقع بالقرب من خط الصدع الأناضولي، حيث يمتد أحد فروع صدع شمال الأناضول في بحر مرمرة قبالة سواحل المدينة مباشرة.
ويتوقع علماء الزلازل حدوث زلزال يتجاوز 7 درجات في إسطنبول ومنطقة بحر مرمرة، وهو ما قد تكون له عواقب وخيمة على المدينة وعلى الاقتصاد التركي بأكمله.
وبحسب حسابات مجلس مدينة إسطنبول، في حالة وقوع زلزال بقوة 7.5 درجة، سينهار ما لا يقل عن 90 ألف مبنى في المدينة، وقد يحتاج حوالي 4.5 مليون مواطن إلى مساكن مؤقتة.
أما من الناحية الاقتصادية، فتقدر شركات التأمين أن الأضرار الناجمة عن مثل هذا الزلزال قد تتجاوز 325 مليار دولار، مما قد يشكل ضربة قاصمة للاقتصاد التركي.
ضعف الالتزام بمعايير البناء: جذور المشكلة
على الرغم من تشديد لوائح البناء في تركيا عقب زلزال 1999 الذي أودى بحياة 17 ألف شخص، وتحديثها في عام 2018، إلا أن التطبيق العملي لهذه اللوائح لا يزال يواجه تحديات كبيرة.
كشفت تحقيقات ما بعد زلزال فبراير 2023، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 53 ألف شخص، عن انتشار ظاهرة الغش في البناء والتلاعب في تطبيق معايير السلامة، مما أدى إلى اعتقال 130 من مقاولي البناء.
المهندس المعماري التركي أيكوت كوكسال يلخص المشكلة بقوله: “على الورق تُحترم المعايير، مع عقود تُمنح لشركات خاصة تكلف بالتحقق منها”، لكن الإشراف على هذه الاتفاقات “متساهل”.
تبرز قصة مبنى إزجي، الذي انهار في زلزال 2023 بينما ظلت المباني المجاورة صامدة، كمثال صارخ على إخفاقات السلامة، حيث كشفت التحقيقات أن التعديلات غير القانونية في المبنى، بما في ذلك إزالة جدران داعمة، كانت السبب الرئيسي لانهياره.
الحاجة الملحة للإصلاح والتأهب
تواجه إسطنبول تحدياً وجودياً يتطلب إجراءات عاجلة وشاملة. وفي ظل المخاطر الزلزالية الكبيرة، هناك حاجة ملحة لتطوير استراتيجيات فعالة للتأهب والاستجابة.
يقترح خبراء في مجال البناء والهندسة المعمارية فرض تأمين على جميع المشاركين في عمليات البناء ضد الممارسات الخاطئة، إلى جانب إصلاح نظام الإشراف على تنفيذ معايير البناء، والحد من التساهل في تطبيق القوانين.
كما أن تعزيز الوعي المجتمعي ودور المواطنين في المساءلة يمثل عنصراً حيوياً في الجهود المبذولة لتحسين سلامة المباني ومقاومتها للزلازل.
“ربما من أجل مبنى إزجي، لن تحدث مثل هذه الأشياء في المستقبل. أنا أكافح من أجل أن أكون قدوة” – نورغول غوكسو، فقدت ابنها وزوجة ابنها وحفيدتها في زلزال 2023.
وتبقى إسطنبول، بتاريخها العريق وأهميتها الاقتصادية والثقافية، أمام تحدٍ كبير يتطلب تضافر جهود الحكومة والمجتمع المدني والخبراء لضمان سلامة المدينة وحماية سكانها من مخاطر الزلازل المستقبلية. الزلزال الذي ضرب المدينة اليوم ليس سوى تذكير بهذا التحدي الوجودي الذي يهدد ملايين السكان.










