في مشهد اقتصادي متقلب تراقبه الأسواق العالمية عن كثب، واصلت مؤشرات الأسهم الأميركية ارتفاعها لليوم الثالث على التوالي، وسط آمال المستثمرين بانفراجة محتملة في ملف التوترات التجارية بين واشنطن وبكين، بالرغم من نفي الصين القاطع لوجود أي مفاوضات قائمة. فهل يعكس هذا الصعود حقيقة اقتصادية مستقرة، أم أنه مجرّد صعود على أرضية هشة من التمنيات السياسية؟
الأسواق تصعد… ولكن بأي ثمن؟
شهدت جلسة تداول يوم الخميس 24 أبريل أداءً قوياً في وول ستريت، حيث أنهت المؤشرات الرئيسية تداولاتها على ارتفاع ملحوظ. قاد هذا الصعود المؤشر العريض S&P 500 الذي حقق مكاسب تراوحت حسب المصادر بين 0.8% و2.51%، ليغلق في إحدى القراءات عند مستوى 5287.76 نقطة، فيما أشار البعض الآخر إلى إغلاقه عند 5375 نقطة أو 5373.58 نقطة، ما يعكس تبايناً في البيانات لكن اتجاهاً واحدًا: الارتفاع.
أما مؤشر Nasdaq المركب، الذي يضم أكبر شركات التكنولوجيا، فقد أظهر أداءً إيجابياً هو الآخر، حيث تراوحت مكاسبه بين 0.3% و2.06% ليستقر عند مستويات قاربت 16724 نقطة، ما يعكس تحسناً في شهية المخاطرة لدى المستثمرين تجاه القطاع التقني، رغم توتر الأجواء الجيوسياسية.
أما مؤشر داو جونز الصناعي، فقد كان الأقل أداءً نسبيًا حيث ارتفع بنسبة 0.1% أو بما يعادل 52 نقطة، في حين ذكرت تقارير أخرى أنه أغلق على ارتفاع بنسبة 1.56% عند 40212.71 نقطة، مستفيدًا من تحسن مزاج السوق بشكل عام.
IBM… الاستثناء المثير للقلق
على النقيض من هذا الارتفاع الجماعي، سجلت أسهم شركة IBM تراجعًا حادًا تجاوز 5%، رغم إعلان الشركة عن نتائج مالية إيجابية للربع الأول فاقت التوقعات. هذا التراجع أثار تساؤلات حول الثقة في مستقبل الشركة، وربما يعكس توجهات المستثمرين نحو قطاعات أكثر نموًا مقارنة بالتكنولوجيا التقليدية التي تمثلها IBM.
حرب الرسوم الجمركية: واقع صلب أم تقارير متفائلة؟
وعلى الجبهة السياسية، تدور محركات السوق حول تطورات العلاقة بين أكبر اقتصادين في العالم، الولايات المتحدة والصين. رغم انتعاش الأسواق، نفت الصين وجود أي محادثات تجارية حالية، داعيةً في الوقت ذاته إلى إلغاء الرسوم الأميركية “الأحادية الجانب”، ومؤكدة أن الأنباء المتداولة عن مفاوضات جارية “لا أساس لها من الصحة”.
في المقابل، ظهرت إشارات تفاؤل من الجانب الأميركي، حيث أعلن الرئيس دونالد ترامب عن استعداده لخفض الرسوم الجمركية على الواردات الصينية التي وصلت في ذروتها إلى 145%، مؤكدًا أنها لن تُلغى بالكامل، بل ستُخفض إلى ما بين 50% و65%. ويأتي ذلك ضمن توجهٍ جديد أقل تصادمية، تزامن مع إعلان وزير الخزانة سكوت بيسنت عن “فرصة لإبرام صفقة تجارية كبرى”، ما ألهب توقعات المستثمرين بإمكانية التوصل إلى حل.
ورغم أن بكين لم تبادل هذا التفاؤل الأميركي، فإن مجرد الحديث عن تخفيف التوترات منح السوق جرعة من الإيجابية، عززت موجة الشراء ودعمت ارتفاع المؤشرات.
انعكاسات وتوقعات: إلى أين تتجه السوق؟
إن هذا التباين في الرسائل بين الجانبين، بالإضافة إلى القفزات المتفاوتة في المؤشرات، يعكس هشاشة الثقة في استقرار الاقتصاد العالمي. الأسواق المالية تتحرك في كثير من الأحيان بناءً على التوقعات والنوايا السياسية، وليس فقط على النتائج الفعلية.
الأسهم الأميركية تُظهر صعودًا تقنيًا، لكنها لا تزال تسير فوق رمال متحركة من الغموض الجيوسياسي والتجاري. فإذا ما فشلت بوادر الانفراج في التحول إلى واقع ملموس، فإن السوق قد تشهد تصحيحًا عنيفًا. وعلى العكس، فإن إعلان اتفاق تجاري فعلي بين واشنطن وبكين قد يدفع الأسواق نحو مستويات قياسية جديدة.
الرؤية مشوشة لكن الحراك واضح
الأسواق تحب الأمل، والمستثمرون يتشبثون بأي بادرة انفراج، حتى وإن كانت التصريحات الرسمية متناقضة. لكن إلى أن تتحول التصريحات إلى اتفاقات، يبقى الأداء الإيجابي للبورصات الأميركية محاطًا بسؤال كبير: هل هو ارتداد حقيقي… أم مجرد قفزة في الظلام؟










