في الوقت الذي تروّج فيه الحكومة المصرية لتحسن مرتقب في مؤشرات الاقتصاد، يبرز تقرير البنك الدولي الأخير كجرس إنذار شديد اللهجة. وبينما تظهر الأرقام الرسمية نموًا متصاعدًا وتراجعًا تدريجيًا للتضخم، إلا أن التحدي الحقيقي يكمن في فجوة التمويل الخارجي الضخمة التي تواجه الدولة على المدى القصير. 11.1 مليار دولار من الديون الخارجية تستحق السداد في فترة لا تتجاوز 3 أشهر، إلى جانب متأخرات مستحقة لشركات النفط وعجز متنامٍ في الحساب الجاري. فهل تكفي الأرقام المتفائلة لتغطية المخاطر؟ أم أن الوقت قد حان لمراجعة جذرية في النهج الاقتصادي؟ التقرير التالي يعرض تفاصيل توقعات البنك الدولي، بلغة أقرب للواقع منها للتقارير الرسمية.
نمو اقتصادي هش تحت رحمة التضخم والديون
رغم حديث الحكومة عن تحسن الأداء الاقتصادي، فإن الارتفاع الطفيف في توقعات النمو (إلى 3.8%) لا يعكس تحسنًا هيكليًا حقيقيًا، بل يرتبط بتراجع مؤقت للتضخم وزيادة الاستهلاك. النمو المستقبلي، وإن توقّع وصوله إلى 4.6% بحلول 2027، يبقى مرهونًا بإصلاحات لم تُنفذ بعد، واستثمارات خاصة لا تزال حذرة.
تراجع التضخم… لا يعني تحسّن الأحوال المعيشية
صحيح أن البنك الدولي يتوقع انخفاض التضخم تدريجيًا، لكن معدلاته ستظل مزدوجة الأرقام حتى 2027، ما يعني أن القوة الشرائية للمواطن لن تتحسن جذريًا، خاصة في ظل تآكل الأجور وغياب سياسات واضحة لحماية الدخول الثابتة.
عجز الموازنة يتضخم: الإصلاحات المالية في مهب الريح
ارتفاع العجز إلى 7.2% في 2025 يثير تساؤلات حول فعالية السياسات المالية. تراجع الإيرادات غير الضريبية وانكشاف اعتماد الحكومة على صفقات استثنائية مثل “رأس الحكمة” يسلط الضوء على غياب مصادر تمويل مستدامة. أما الحديث عن ضبط مالي مستقبلي، فلا يزال وعودًا مرهونة بقرارات غير مضمونة التنفيذ.
الديْن العام… يتراجع رقميًا ويتمدّد فعليًا
رغم التراجع المتوقع في نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي، فإن ذلك لا يعكس بالضرورة تحسنًا في نوعية الإنفاق أو القدرة على السداد. الأرقام تُخفي اعتمادًا متزايدًا على الضمانات الحكومية (34%)، ما يعني تضخم ديون غير مدرجة رسميًا في الموازنة.
أزمة التمويل الخارجي: غياب خطة طوارئ حكومية
الاستحقاق القريب لسداد 11.1 مليار دولار خلال الربع الأخير من السنة المالية الحالية يكشف عن غياب استراتيجيات استباقية لإدارة التمويل الخارجي. ومع تراكم متأخرات شركات النفط واتساع عجز الحساب الجاري إلى 6.3%، يتضح هشاشة الوضع النقدي وغياب التنسيق بين الجهات الاقتصادية.
رهان الحكومة على القروض الدولية: حل مؤقت أم خطر دائم؟
الاعتماد على تمويلات صندوق النقد، اليوروبوند، والدعم الخارجي لا يعكس ثقة الأسواق، بل يكشف عن عجز داخلي عن خلق موارد مستقرة. هذه السياسة تزيد من تعرض الاقتصاد المصري للتقلبات العالمية وتضع السيادة الاقتصادية في مهب الضغوط الدولية.
محدودية الأثر الاجتماعي للإجراءات الحكومية
التضخم المرتفع ومحدودية نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي يجعلان من الوعود الحكومية بتحسن معيشي أمرًا بعيد المنال. برامج الحماية الاجتماعية لم تنجح في وقف استقرار معدلات الفقر، بل أصبحت آلية لاحتواء الغضب بدلاً من معالجة الأسباب الجذرية.
غياب الاستقرار الإقليمي والإصلاحات يؤجل التعافي الحقيقي
الاقتصاد المصري يواجه مخاطر خارجية وداخلية تهدد أي مسار تعافٍ حقيقي مثل:
التوتر الإقليمي
تباطؤ الاقتصاد العالمي
تباطؤ الإصلاحات البنيوية
اختلال سلاسل التوريد
غياب الحوكمة الاقتصادية الفعالة وعدم وضوح الأولويات يزيدان من حدة هذه التهديدات.
الخلاصة: مؤشرات واعدة تُخفي هشاشة هيكلية
رغم الأرقام المتفائلة في بعض المؤشرات، إلا أن الواقع المالي والاقتصادي يكشف عن أزمة هيكلية عميقة. المطلوب اليوم ليس مجرد تمويل خارجي أو صفقات مؤقتة، بل مراجعة شاملة للنموذج الاقتصادي، وضبط الإنفاق، وتحفيز الإنتاج، وإرساء الشفافية في إدارة الدين العام، قبل أن تنفجر قنبلة التمويل قصيرة الأجل.











