في الوقت الذي يمعن فيه الاحتلال الإسرائيلي في سياساته التوسعية والتدميرية بحق الإنسان والطبيعة، جاء الرد من الطبيعة نفسها، في موجة حرائق واسعة اجتاحت الأراضي المحتلة، كاشفة عن هشاشة منظومته البيئية وضعف جاهزيته في مواجهة الكوارث. هذه الحرائق، التي اشتعلت في محيط القدس وبيت شيمش ومناطق حرجية أخرى، لم تكن مجرد حدث عابر، بل كارثة وطنية بمقاييس إسرائيلية، تهدد ليس فقط البنية التحتية وإنما الاقتصاد والبيئة لعقود قادمة. في هذا التقرير، نسلط الضوء على حجم الخسائر المتوقعة التي ستكبدها الاحتلال نتيجة هذه الموجة غير المسبوقة من النيران.
1. اتساع رقعة النيران: ألسنة اللهب تفضح هشاشة الاحتلال
المساحات المحروقة: اجتاحت الحرائق أكثر من 7,000 دونم من الغابات الطبيعية، معظمها في جبال القدس، ما يوازي 7 كيلومترات مربعة من الغطاء الأخضر، وهي خسارة لا تعوض في الأمد القريب.
مواقع استراتيجية متضررة: النيران اقتربت من مستوطنات ومرافق حساسة، وهددت التجمعات الصهيونية مثل بيت شيمش وإشتول ومسيلات تسيون، وصولاً للطريق السريع بين القدس وتل أبيب، ما اضطر الاحتلال لتنفيذ عمليات إجلاء واسعة النطاق.
2. كلفة الإخماد: موارد مُنهكة في مواجهة كارثة
تعبئة غير مسبوقة: استدعت سلطات الإطفاء والإنقاذ كامل الطواقم بمن فيهم من هم خارج الخدمة، في مشهد يعكس ارتباكًا في مواجهة الحدث.
100-150 طاقم إطفاء مدعومين بالجيش والشرطة و11 طائرة إطفاء نفذت عشرات الطلعات الجوية، مما أسفر عن استنزاف مالي ضخم.
تكاليف بالملايين: تشغيل الطائرات، استهلاك الوقود، المواد الكيماوية، والصيانة، كلها تتسبب في فاتورة يومية باهظة تُقدّر بالملايين.
إصابات بشرية: سُجّلت إصابة 3 رجال إطفاء، مما يعكس المخاطر المباشرة على القوى العاملة.
3. خسائر مادية وبشرية: حياة مشلولة وشبكات معطلة
عمليات إجلاء قسرية عطّلت حياة آلاف المستوطنين.
شلل في البنية التحتية: إغلاق طرق استراتيجية (38، 44، والطريق 6) وتوقف قطارات، مع تسجيل انقطاعات في الكهرباء والاتصالات، في مشهد فوضوي يكشف ضعف الاستعداد.
4. كارثة بيئية: الطبيعة تنهار تحت الاحتلال
فقدان الغطاء النباتي: ملايين الأشجار دُمّرت، ما يعني خسارة “الرئة الخضراء” التي تحتاج عقودًا للتعافي.
انهيار التنوع البيولوجي: تدمير موائل عشرات الأنواع من الكائنات البرية، وتراجع في التوازن البيئي الطبيعي.
تلوث ودمار للتربة: الرماد والدخان يعكّران صفو الهواء، ويهددان التربة بالانجراف مع أول موجة مطر.
خسارة “الخدمات البيئية”: من تنقية الهواء إلى الترفيه البيئي، كل هذه الخدمات اختفت، ما يعني خسائر اقتصادية غير مباشرة لسنوات قادمة.
5. ارتدادات اقتصادية طويلة الأمد
انهيار السياحة البيئية: جبال القدس كانت نقطة جذب للسياحة الداخلية والخارجية، أما الآن فهي مناطق محروقة.
أضرار زراعية وعقارية: الأراضي المحروقة شملت أراضي زراعية ومراعي وخلايا نحل، إضافة إلى تراجع محتمل في قيمة العقارات المحيطة.
تكاليف إعادة التأهيل: مئات الملايين من الشواقل ستُضخ في محاولات إعادة التشجير والبنية التحتية.
6. نظرة إلى الأمام: احتلال في مواجهة تبعات كارثة ذاتية الصنع
إعادة التشجير ومكافحة الانجراف: تحتاج سنوات طويلة وموازنات ضخمة.
تعويضات متوقعة: قد تُطالب جهات متضررة بتعويضات من سلطات الاحتلال، ما يضيف عبئًا ماليًا وقانونيًا إضافيًا.
موجة الحرائق الأخيرة كشفت عن صدع عميق في بنية الاحتلال الإسرائيلية، ليس فقط من حيث الاستعداد والإدارة، بل في عمق علاقته العدائية مع الأرض التي يحتلها. الخسائر الفادحة بيئيًا واقتصاديًا وبشريًا ليست سوى بداية لفاتورة ثقيلة ستتراكم لسنوات. وما لم يكن في الحسبان أن النيران، رغم أنها خاملة، جاءت لتقول كلمتها: الأرض لا تُحتل دون ثمن… والثمن هذه المرة كان باهظًا، والنار قد تعود من جديد.











