في مشهد جديد يعكس عمق التناقضات في المعايير الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، كشفت زوجة الباحث السوري الفلسطيني المعتقل في الولايات المتحدة، بدر خان سوري، تفاصيل ما وصفته بـ”الظلم السياسي المغلف بذرائع أمنية”، نافية كل المزاعم التي تربط زوجها بحركة حماس.
وقالت زوجة الباحث، في تصريحات عبر حسابها على منصة X، إن اعتقال زوجها ليس سوى “استهداف ممنهج لكل من يحمل في قلبه قضية عادلة”، متسائلة: “هل باتت الجذور الفلسطينية جريمة؟ وهل أصبح مجرد الانتماء العاطفي والإنساني لشعب تحت الاحتلال تهمة أمنية؟”. وأضافت بحسرة: “لم نأتِ إلى أمريكا لنُسجن، بل لنُكمل دراساتنا ونخدم مجتمعاتنا”.
بدر خان سوري، باحث أكاديمي معروف بمسيرته العلمية وعمله في المجال الإنساني، لم يسبق أن وُجهت إليه أي تهم جنائية، بحسب عائلته. ومع ذلك، وُضع قيد الاعتقال في ظروف مبهمة، تحت مزاعم غامضة تتعلق بـ”علاقته غير المباشرة” بحركة حماس، دون تقديم أدلة دامغة أو توجيه لائحة اتهام رسمية حتى لحظة إعداد التقرير.
التوقيت السياسي للاعتقال يطرح علامات استفهام كثيرة، خاصة في ظل المناخ الأمريكي المشحون ضد كل ما يتعلق بفلسطين والمقاومة، بعد تصاعد الأصوات المناصرة لغزة داخل الأوساط الطلابية والأكاديمية. ويخشى كثيرون من أن يتحول الاعتقال إلى سابقة خطيرة تمهد لتجريم التضامن أو حتى الانتماء الثقافي لشعب يرزح تحت الاحتلال.
البيان الصادر عن عائلته يؤكد أن بدر خان كان يعمل في أطر علمية وإنسانية بحتة، ولم يكن يومًا جزءًا من أي أنشطة سياسية أو تنظيمية محظورة، داعيًا إلى إطلاق سراحه فورًا، وإيقاف ما وصفه بـ”التسييس المجحف للمواقف الإنسانية”.
بينما تواصل الإدارة الأمريكية التزام الصمت حيال القضية، تتزايد المطالب الحقوقية بفتح تحقيق شفاف، والكف عن ملاحقة النشطاء العرب والمسلمين تحت ذرائع الأمن القومي، التي كثيرًا ما تُستخدم كغطاء لممارسات عنصرية أو ضغوط سياسية خارجية.
وفي خضمّ الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة، والتي أزهقت آلاف الأرواح ودمّرت البنى التحتية والمستشفيات والمدارس، لم يتردد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في إعلان دعمه الكامل للاحتلال الإسرائيلي، متجاوزًا حدود الدبلوماسية والسياسة إلى التورط المباشر في دعم العدوان عسكريًا وسياسيًا، بل وحتى أمنيًا داخل الولايات المتحدة نفسها.
منذ الأيام الأولى للحرب، لم يخفِ ترامب موقفه الحاد والمنحاز، داعيًا إلى تعزيز تسليح إسرائيل وتوسيع الدعم العسكري، في إطار ما وصفه بـ”حق تل أبيب في الدفاع عن نفسها”. هذه التصريحات جاءت متزامنة مع تسريبات إعلامية أمريكية عن ضغوط يمارسها فريق ترامب على الكونغرس لتسريع شحنات الأسلحة الموجهة إلى الجيش الإسرائيلي، بما يشمل قنابل ذكية وصواريخ موجهة، بعضها يُستخدم بالفعل في قصف المدنيين في غزة.
ترامب، الذي سبق له أن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة واعترف بالجولان أرضًا إسرائيلية، عاد ليُمارس ذات السياسات المتطرفة، لكن هذه المرة في سياق أكثر دموية. فالدعم لم يعد رمزيًا أو دبلوماسيًا، بل صار غطاءً كاملاً لجرائم حرب تُرتكب على الهواء مباشرة، بموافقة أمريكية وبتأييد كامل من أقطاب الحزب الجمهوري.
ومع تصاعد الحركة الطلابية والحقوقية في الجامعات الأمريكية تضامنًا مع غزة، ومع انتشار الاعتصامات والفعاليات الاحتجاجية داخل الحرم الجامعي، بدأ الوجه الآخر لسياسات ترامب بالظهور: القمع الأمني والتشريعي للمناصرين. تقارير عديدة وثقت ضغوطًا تُمارس على إدارات الجامعات لإيقاف الأصوات المؤيدة لفلسطين، واعتقال نشطاء وطلاب شاركوا في وقفات سلمية.
في عدد من الولايات، وبضغط مباشر من حلفاء ترامب داخل المجالس التشريعية، تم تمرير قوانين تُصنف حركة المقاطعة BDS بأنها “معادية للسامية”، في محاولة لتجريم أي شكل من أشكال الدعم المدني للمقاومة الفلسطينية. ووصل الأمر إلى حدّ اعتقال طلاب على خلفية منشورات إلكترونية، أو مشاركات في فعاليات تضامنية، تحت تهم فضفاضة مثل “التحريض” أو “دعم الإرهاب”، في ما وصفته منظمات حقوقية بأنه “تكميم متعمد لفلسطين داخل أمريكا”.
كما سجلت منظمات الحريات الأكاديمية تضييقًا غير مسبوق على الأساتذة والباحثين المتعاطفين مع القضية الفلسطينية، خاصة في الجامعات التي تتلقى تمويلًا من رجال أعمال مقربين من الحزب الجمهوري ومن اللوبيات المؤيدة لإسرائيل، والتي تقود حملة ممنهجة لتجفيف منابع الدعم الأكاديمي لفلسطين داخل المؤسسات الأمريكية.
وفي ظل هذه الحملة، يُعاد إنتاج خطاب الحرب ليس فقط في الميدان، بل داخل الولايات المتحدة نفسها: دعم بالسلاح للقاتل، واعتقال للصوت الذي يُدين الجريمة. وهذا ما جعل كثيرين يربطون بين مواقف ترامب تجاه غزة، ووعوده القديمة بخلق “إسرائيل الكبرى”، والتي تعني ببساطة شرعنة الاحتلال والتطهير، وكمّ الأفواه في كل مكان.
ختامًا، فإن دعم ترامب لإسرائيل لا يمكن اختزاله فقط في لغة التصريحات، بل هو مشروع متكامل لإعادة تشكيل السياسة الأمريكية بما يخدم المشروع الصهيوني، حتى لو تطلب ذلك سحق القيم الأمريكية نفسها، من حرية التعبير إلى حقوق الإنسان. إنه دعم لا يكتفي بتمويل الحرب، بل يسعى لتجريم الضحية ومحاكمة كل من يتضامن معها.
قضية بدر خان سوري ليست مجرد ملف قانوني، بل عنوان صارخ لمرحلة تُحاكم فيها القلوب قبل الأفعال، ويُعتقل فيها الضمير الفلسطيني أينما وُجد، حتى في أرضٍ تزعم أنها حامية الحريات.










