في زحام المدن الممتدة، وبين الأمل المتقد في صدور آلاف الأسر الباحثة عن مأوى، تقف شقق الإسكان الحكومي كحلُمٍ طال انتظاره، لكنّه كلما اقترب بدا أغلى ثمناً وأبعد منالًا. ليست مجرد جدرانٍ وأبواب، بل اختزال لحياة تُبنى حجرًا فوق حجر، وأمل يراهن على قرارات الدولة واقتصادها وأسعار السوق المتقلبة. وفي هذا المشهد المتشابك، تتداخل طموحات البسطاء مع معادلات السوق المعقدة، في سباق غير متكافئ على أبسط الحقوق: السكن.
واقع أسعار الإسكان الحكومي في مصر (2024–2025)
شهدت أسعار الوحدات السكنية الحكومية في مصر ارتفاعاً واضحاً خلال العامين الأخيرين، مع تفاوت كبير بين المشاريع المختلفة، وفقاً للموقع الجغرافي ونوع المشروع وشريحة الدخل المستهدفة.
الإسكان الاجتماعي (سكن لكل المصريين): تراوحت الأسعار خلال 2024 بين 350,000 و700,000 جنيه، مع مقدم حجز بلغ 20–30 ألف جنيه حسب الموقع.
برامج الإسكان المتنوع (“مسكن”): شملت مشروعات مثل “جنة”، “دار مصر”، و”سكن مصر”، بأسعار متر تراوحت بين 8,000 و15,000 جنيه، مما يجعل بعضها خارج نطاق القدرة الفعلية لذوي الدخول المتوسطة.
عوامل ارتفاع الأسعار
1. فجوة الطلب والعرض: أدى النمو السكاني الكبير إلى ضغط على المعروض من الوحدات، ما رفع الأسعار بشكل متواصل.
2. تحرير سعر الصرف: أدى إلى ارتفاع تكلفة البناء، خاصة المواد المستوردة، ما انعكس مباشرة على أسعار الوحدات.
3. الظروف الاقتصادية العامة: التضخم، الفوائد البنكية المرتفعة، والسياسات الاقتصادية خلقت بيئة عقارية مشحونة.
تفاصيل طرح أبريل 2025
أعلنت الحكومة عن أكبر طرح للوحدات السكنية حتى الآن، في الفترة من 15 أبريل حتى 15 مايو 2025، ويشمل:
35,088 وحدة ضمن خطة أوسع لطرح نحو 400 ألف وحدة.
تغطي مشروعات “ديارنا”، “جنة”، “سكن مصر”، و”الإسكان الحر” في مناطق متعددة كالقاهرة الجديدة، المنصورة الجديدة، السويس، العاشر من رمضان، ومدن الصعيد.
الأسعار المبدئية تراوحت بين 10,000 و35,000 جنيه للمتر حسب الموقع ونوع المشروع.
التقديم يتم إلكترونيًا عبر موقع بنك التعمير والإسكان.
بين الشعارات والواقع: هل ما زال السكن الحكومي للفقراء؟
رغم الضخ الإعلامي والوعود المتكررة بتوفير السكن “لكل المصريين”، إلا أن الأسعار الفعلية تضع هذه الطروحات خارج متناول معظم محدودي ومتوسطي الدخل. أصبحت مشروعات الحكومة تنافس القطاع الخاص في الأسعار، وتخاطب فعليًا شريحة مختلفة تمامًا عن المستهدفين المفترضين.
في الواقع، لا يبدو أن السياسات السكنية الحالية تراعي حق المواطن في سكن لائق بقدر ما تساير موجة الاستثمار العقاري ومعدلات الربح. المواطن البسيط، الذي يُفترض أن يكون المستفيد الأول، بات يطالع هذه الطروحات من خلف الشاشات، لا يستطيع أن يحجز ولا حتى أن يحلم.
إن ما يُطرح اليوم باسم “الإسكان الحكومي” لا يُعبّر إلا عن انفصال واضح بين الواقع الاجتماعي والسياسات الرسمية، ويطرح سؤالًا مشروعًا: هل تحولت الدولة من كيان يوفر الحماية الاجتماعية… إلى مطور عقاري جديد؟











