في عالم تتقاطع فيه الأرقام مع الأحلام، وتغدو الأسواق مرآة تعكس تقلبات الأمل والمخاطرة، لا يبقى الكبار بمنأى عن العثرات. فالجبال أيضاً قد تتصدع، ومهما علت القمم، تظل رهينة لعواصف الاقتصاد العابرة. ها هو الصندوق السيادي النرويجي، الذي طالما اعتُبر قلعة صلبة في عالم المال، يتلقى صفعة مدوية من قطاع لطالما كان حصانه الرابح: التكنولوجيا.
أعلن صندوق الثروة السيادي النرويجي، الأكبر في العالم، عن تكبده خسائر قاسية بلغت 415 مليار كرونة نرويجية، ما يعادل نحو 40 مليار دولار أمريكي، خلال الربع الأول من عام 2025. وتأتي هذه الخسائر، التي تمثل حوالي 0.6% من قيمة الصندوق، نتيجة مباشرة لتقلبات حادة اجتاحت الأسواق، وكان لقطاع التكنولوجيا النصيب الأكبر في التسبب بها.
وأوضح نيكولاي تانجن، الرئيس التنفيذي للصندوق، أن “الربع تأثر بتقلبات سوقية كبيرة”، مشيراً إلى أن الاستثمارات في الأسهم حققت عائداً سلبياً، خصوصاً في مجال التكنولوجيا، الذي قلب الطاولة بعد أن كان المحرك الرئيسي لأرباح قياسية في عام 2023 والنصف الأول من 2024.
تتزامن هذه الخسائر مع أجواء اقتصادية عالمية متقلبة، تشهد تزايداً في مستويات المخاطر وعدم اليقين. ورغم أن الصندوق كان قد أبدى حذراً في السابق من التركيز المرتفع في أسهم التكنولوجيا الأميركية، فإن هذا القطاع لا يزال يشكل عنصراً أساسياً في محفظته العملاقة، التي تشمل آلاف الشركات حول العالم بنسبة ملكية تصل إلى 1.5% من جميع الأسهم المدرجة عالمياً.
وتبرز هذه التطورات حقيقة مرة: أن الأرباح القياسية التي بلغت 213 مليار دولار في عام 2023، و138 مليار دولار في النصف الأول من 2024، ليست سوى جزء من قصة أكبر، عنوانها الرئيسي “التقلبات”. إذ تؤكد خسائر هذا الربع التحديات التي تواجهها حتى أكثر الجهات استثماراً وانضباطاً في ظل ظروف اقتصادية وجيوسياسية شديدة التعقيد.
وفي حين يرى البعض في هذه الخسائر إشارة على بداية تحول طويل الأمد، يراها آخرون مجرد كبوة عابرة في مسار استثماري طويل الأجل. لكن المؤكد أن السوق قد وجه رسالة واضحة: لا أحد محصن، حتى لو كان بحجم صندوق سيادي بحجم اقتصاد دول.










