يهدد إعلان إثيوبيا قبل أيام قليلة بشأن قرب افتتاح سد النهضة، مع اكتمال بناء 98% منه، بتأجيج التوتر مع دولتي مصب نهر النيل، مصر والسودان، في ظل الجمود الذي خيم على المفاوضات الثلاثية خلال الأشهر الأخيرة.
الإعلان الإثيوبي لا يعد مجرد تقدم إنشائي، بل هو إشارة سياسية واضحة إلى أن ساعة التشغيل الكامل للسد باتت وشيكة، وهو ما يثير حفيظة القاهرة والخرطوم، بشأن التداعيات المحتملة على أمنهما المائي، ويفتح المجال لتجديد الضغوط على أديس أبابا من أطراف إقليمية ودولية.
تفاصيل الإعلان الإثيوبي وتداعياته
أكد المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، نبيات جيتاتشو، في مؤتمر صحفي عقد يوم الخميس، أن بلاده على أعتاب الانتهاء من سد النهضة وقص شريط الافتتاح قريبا، منوها إلى تصريحات رئيس الوزراء، آبي أحمد، أمام برلمان بلاده من قبل. وأضاف جيتاتشو، أن السياسة الخارجية لبلاده، تقوم على بناء علاقات جوار بناءة ترتكز على المنافع المتبادلة وتصفير الصراعات.
وكان رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، قد أعلن في مارس الماضي أمام برلمان بلاده، أنه سيتم افتتاح سد النهضة خلال الأشهر الستة المقبلة، مع مطلع العام الإثيوبي، الذي يوافق شهر سبتمبر من كل عام. وأشار آبي أحمد، إلى “انتهاء عملية إنشاء وملء بحيرة السد بشكل كامل، مع وصول السعة التخزينية للمياه إلى 74 مليار متر مكعب”.
وفيما يتعلق بالمفاوضات الثلاثية المتعثرة مع مصر والسودان حول سد النهضة، أوضح المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية أنه لا يوجد جديد في هذا الشأن، مشددا على أن أديس أبابا تعمل على مفاوضات “يكون فيها الكل رابحا”.
موقف مصر والسودان من التطورات الأخيرة
مصر من جانبها عبرت مرارا عن رفضها القاطع للإجراءات الأحادية الإثيوبية المتعلقة بسد النهضة. وفي أحدث تطور، وجه وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي خطابا إلى مجلس الأمن الدولي، أوضح فيه أن انتهاء مسار المفاوضات بشأن سد النهضة، والتي ظلت نحو 13 عاما دون التوصل لاتفاق، جاء بسبب ما وصفه الجانب المصري بغياب الإرادة السياسية لدي إثيوبيا، وسعيها لإضفاء الشرعية على سياساتها الأحادية المناقضة للقانون الدولي.
وأكد عبد العاطي في خطابه “رفض مصر القاطع للسياسات الأحادية الإثيوبية المخالفة لقواعد ومبادئ القانون الدولي، والتي تشكل خرقا صريحا لاتفاق إعلان المبادئ الموقع بين مصر والسودان وإثيوبيا في عام 2015”.
زلزال جديد يهز إثيوبيا.. مخاوف متزايدة بشأن سد النهضة
إثيوبيا توقف توربينات سد النهضة، ماه وتأثيره على مصر والسودان؟
تكرار الزلازل في إثيوبيا، عل يشكل خطر على سد النهضة؟
وبالنسبة للسودان، فقد أكدت الحكومة السودانية مرارا موقفها الرافض لكل الإجراءات أحادية الجانب في كل ما يتعلق بملء وتشغيل السد. ووصفت الخرطوم هذه الإجراءات بأنها “تتنافى مع روح التعاون وتشكل خرقا جوهريا للالتزامات القانونية الدولية لإثيوبيا، كما تخالف ما تم الاتفاق عليه بين الدول الثلاث في إعلان المبادئ”.
تاريخ النزاع وتعثر المفاوضات
منذ وضعت إثيوبيا حجر الأساس لسد النهضة، في أبريل 2011، مر المشروع بمراحل إنشائية متسارعة وأخرى شابها التوتر السياسي، وتعثر متكرر في المفاوضات، لتؤكد أديس أبابا أن المشروع شارف على الاكتمال، ما يعكس إصرارها على استكمال ما تعتبره “مشروعا سياديا وتنمويا”.
وشهد سد النهضة، جولات تفاوضية متعددة برعاية الاتحاد الإفريقي والولايات المتحدة، دون أن تفضي إلى اتفاق نهائي، وفي أكثر من مناسبة، تحمل مصر والسودان، إثيوبيا، مسؤولية فشل المفاوضات بسبب ما يصفانه بـ”الإجراءات الأحادية”، في حين تؤكد أديس أبابا حقها السيادي في استخدام مواردها المائية من دون تأثير لدول المصب.
الأبعاد الجيوسياسية للنزاع
تنظر إثيوبيا لقضية سد النهضة على أنها تجسيد لمفهوم “الهيمنة المائية المضادة”، انطلاقا من رغبتها في تطويع الإرادة المصرية، وهو ما يؤثر على العلاقات الإقليمية بين دول حوض النيل. وترى أديس أبابا أن لها حقوقا في الهيمنة المائية، إذ تسهم بنحو 84,5% من إجمالي الإيراد المائي السنوي للنهر.
وتكمن خطورة بناء سد النهضة في كونه أحد مشاريع الإستراتيجية الوطنية الإثيوبية لبناء السدود واستخدام الموارد المائية وليس جزءا من مبادرة حوض النيل أو اتفاقية التعاون الإطاري أو أي اتفاق ثنائي بين إثيوبيا ومصر.
وخلال العامين الماضيين، كثفت مصر من حضورها في الدوائر المحيطة بإثيوبيا في القرن الأفريقي، حوض النيل، والبحر الأحمر، عبر سلسلة من التحركات الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية، ما يوحي بمحاولة لإعادة هندسة توازنات القوى الإقليمية، وبناء شبكات نفوذ تمكنها من إدارة تداعيات السد من موقع قوة.
المخاوف المائية وتداعيات السد
تعتبر القاهرة، أن السد يشكل تهديدا مباشرا لأمنها المائي، وتؤكد أهمية التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم قبل المضي في أي خطوات تشغيلية إضافية، محذرة من أي إجراء أحادي قد يعرض مصالحها المائية للخطر.
أما السودان، فيخشى من أن يؤدي عدم تبادل البيانات الفنية أو التنسيق المسبق إلى مخاطر مباشرة على منشآته المائية، مثل سد الروصيرص القريب من الحدود الإثيوبية، ولذلك تطالب الخرطوم أيضا، باتفاق قانوني ملزم، يضمن التشغيل الآمن والمنسق بين السدود.
هناك أيضا مخاوف من نية إثيوبيا لبناء ثلاثة سدود جديدة على فرع النيل الأزرق في مناطق “كاردوبي، ميندايا، وبيكوابو” لتخفيف الضغط على جسم السد وبحيرته، وضمان استمرار تدفق المياه عبر توربينات توليد الكهرباء
سيناريوهات التعامل مع قرب افتتاح السد
أثار إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، افتتاح مشروع سد النهضة خلال “الستة أشهر المقبلة”، تساؤلات بشأن سيناريوهات تعامل القاهرة مع خطوة تشغيل المشروع دون “اتفاق”.
ووفق الأمين العام المساعد الأسبق لمنظمة الوحدة الأفريقية، السفير أحمد حجاج، فلن “يغير إعلان افتتاح سد النهضة كثيرا من موقف مصر تجاه تلك القضية”، وأحد أهم السيناريوهات أمام القاهرة، هو استمرار الحشد الدبلوماسي دوليا وإقليميا لدعم موقفها بهدف الوصول إلى اتفاق قانوني ملزم.
من ناحيته، يرجح الباحث في العلاقات الدولية، إبراهيم عبد الرحمن، أن مصر تسعى إلى الحفاظ على قنوات الاتصال مفتوحة مع إثيوبيا، خاصة في ظل غياب دعم دولي حاسم لأي تحرك تصعيدي، ويتوقع أن تتجه كل من مصر وإثيوبيا نحو “تفاهمات فنية غير ملزمة”، على غرار تبادل البيانات أو تنسيق جزئي في تشغيل السدد، دون توقيع اتفاق نهائي، مما يخلق حالة “هدوء حذر” تبقي الخلافات قائمة، ولكن تحت السيطرة.
مستقبل أزمة سد النهضة
يبدو أن النزاع حول سد النهضة يدخل مرحلة جديدة مع إعلان إثيوبيا قرب افتتاح السد بشكل رسمي في سبتمبر المقبل. وفي ظل غياب اتفاق قانوني ملزم بين الدول الثلاث، تتجه الأنظار إلى ردود فعل مصر والسودان على الخطوات الإثيوبية المتسارعة.
حتى الآن، تبدو مصر متمسكة بنهج الدبلوماسية والتفاوض، مع استمرار الضغط الدولي على إثيوبيا للالتزام بقواعد القانون الدولي واتفاق المبادئ الموقع عام 2015. ومع ذلك، فإن استمرار الإجراءات الأحادية الإثيوبية قد يدفع القاهرة إلى اتخاذ خطوات أكثر حزما للدفاع عن أمنها المائي.
يبقى السؤال المطروح: هل ستنجح الجهود الدبلوماسية في تقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث قبل الافتتاح الرسمي للسد، أم أن المنطقة مقبلة على مزيد من التوتر والتصعيد حول مستقبل مياه النيل؟









