بدء الجولة الثالثة من المحادثات النووية غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة في مسقط
بدأت صباح اليوم السبت الجولة الثالثة من المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة في العاصمة العمانية مسقط، وسط آمال بتحقيق تقدم ملموس في الملف النووي الإيراني ورفع العقوبات الأمريكية. وتأتي هذه المحادثات بعد جولتين سابقتين وصفهما الطرفان بأنهما “بناءتان وإيجابيتان”، في خطوة قد تمهد لتسوية خلاف استمر لأكثر من عقدين بين البلدين.
تفاصيل المحادثات الجارية في مسقط
انطلقت المفاوضات بين الوفدين الإيراني والأمريكي في مسقط اليوم بوساطة عمانية، حيث وصل وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى العاصمة العمانية أمس الجمعة. وبحسب المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، فإن الوفد الإيراني وصل إلى مسقط للمشاركة في الجولة الثالثة من المحادثات الإيرانية-الأمريكية.
وتتزامن هذه المحادثات مع اجتماعات فنية على مستوى الخبراء، حيث توصلت طهران وواشنطن إلى تفاهم لعقد جلسات فنية ومتخصصة بالتوازي مع حضور كبار المفاوضين من إيران والولايات المتحدة. وقد التقى وزير الخارجية الإيراني قبل بدء المفاوضات مع نظيره العماني بدر البوسعيدي، الذي يقوم بدور الوسيط في هذه المحادثات.
وأكدت وكالة مهر الإيرانية للأنباء أن “الجولة الثالثة من المحادثات النووية بين طهران وواشنطن انطلقت في مسقط عاصمة سلطنة عمان”. وتقود الوفد الأمريكي المبعوث الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، المكلف من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
نمط المفاوضات والوساطة العمانية
تجري المحادثات بشكل غير مباشر حيث يبقى الوفدان في غرف منفصلة، بينما يتولى وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي نقل الرسائل بينهما. وقد أشار المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إلى أن “إيران مصممة على ضمان حقها المشروع والقانوني في استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية”.
وكشفت مصادر مطلعة أن المحادثات ستبدأ على المستوى الفني قبل الانتقال إلى مستويات أعلى، حيث سيمثل إيران في الجلسات الفنية نائبا وزير الخارجية مجيد تخت روانجي وكاظم غريب آبادي، وكان من المقرر أن تُعقد هذه الاجتماعات في 23 أبريل لكنها تأجلت لتجري اليوم 26 أبريل.
خلفية المحادثات وجولاتها السابقة
الجولة الأولى في مسقط (12 أبريل)
انعقدت الجولة الأولى من المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، بوساطة عمان، في 12 أبريل 2025، واستمرت لأكثر من ساعتين ونصف في العاصمة مسقط. وقد وصف وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي تلك المحادثات بأنها جرت “في أجواء بناءة هادئة وإيجابية”.
وعقب تلك المحادثات، أشار عراقجي إلى أنهما “قريبان جداً من إرساء أساس للمفاوضات، وإذا تمكنا من الانتهاء من هذا الأساس الأسبوع المقبل، سنكون قد أحرزنا تقدماً كبيراً ويمكننا بدء مناقشات موضوعية بناءً على ذلك”.
الجولة الثانية في روما (19 أبريل)
عُقدت الجولة الثانية من المفاوضات في العاصمة الإيطالية روما في 19 أبريل 2025، واستمرت لنحو أربع ساعات في السفارة العمانية بروما. وخلال هذه الجولة، توصل الطرفان إلى توافق لتكليف خبراء بالبدء في صياغة إطار لاتفاق نووي محتمل، حسبما صرح وزير الخارجية الإيراني.
وقد وصف عراقجي المحادثات بأنها مثمرة وأُجريت في أجواء إيجابية، قائلاً: “تمكنا من تحقيق بعض التقدم في مختلف المبادئ والأهداف، ووصلنا في النهاية إلى فهم أوضح”. وأضاف: “حققنا فهماً أفضل لبعض المبادئ والأهداف. جرت المناقشات في بيئة بناءة وتمضي قدماً”.
مواقف الأطراف وتصريحاتهم
الموقف الإيراني
أكدت إيران أن التقدم في المفاوضات يعتمد على حسن نية وجدية وواقعية الطرف الآخر. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إن “الوفد الإيراني سيضبط كل خطوة من خطوات المحادثات بناءً على التجارب السابقة وسلوك الولايات المتحدة”.
وشدد عراقجي في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي عند وصوله إلى مسقط على أهداف إيران قائلاً: “نحن ملتزمون بضمان حق بلادنا المشروع في الطاقة النووية السلمية. إنهاء العقوبات الظالمة وغير الإنسانية بسرعة وفعالية لا يزال أولويتنا. الأيام القادمة ستظهر مدى جدية الطرف الآخر بشأن التوصل إلى اتفاق عادل وواقعي”.
وتصر إيران على أن برنامجها النووي مخصص للأغراض السلمية فقط، وأبدت استعدادها للنظر في فرض قيود محدودة على أنشطتها النووية مقابل رفع العقوبات الدولية. كما أشارت إلى أنها لن تتفاوض على قدراتها الدفاعية أو نفوذها الإقليمي لكنها تظل منفتحة على اتفاق يضمن عدم سعيها للحصول على قنبلة نووية، وهو هدف تقول إنها لا تسعى إليه.
الموقف الأمريكي
من جانبه، أعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تفاؤله بشأن التوصل إلى اتفاق جديد مع إيران. وقال في مقابلة مع مجلة تايم نُشرت يوم الجمعة: “أعتقد أننا سنصل إلى اتفاق مع إيران”، لكنه كرر في الوقت نفسه إمكانية اللجوء إلى العمل العسكري في حال فشل الجهود الدبلوماسية.
وأشار مسؤول أمريكي كبير إلى أن اجتماع روما أسفر عن “تقدم جيد جداً”، مؤكداً أن المناقشات المقبلة مقررة للأسبوع التالي. ووفقاً لمتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، تامي بروس، فإن المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف سيكون حاضراً في محادثات عمان.
أهداف المحادثات ومحاور النقاش
البرنامج النووي الإيراني والعقوبات الأمريكية
تركز المحادثات على البرنامج النووي الإيراني ورفع العقوبات الأمريكية. وتهدف إلى معالجة المخاوف الغربية بشأن البرنامج النووي الإيراني وتخفيف العقوبات التي فرضها ترامب على إيران بعد انسحابه من الاتفاق النووي السابق في عام 2018.
وتشير المصادر إلى أن محور النقاش الرئيسي هو صياغة إطار لاتفاق نووي جديد من شأنه أن يحد من نشاط إيران النووي مقابل تخفيف العقوبات المفروضة عليها. وقد أكد عراقجي في وقت سابق أن كلاً من إيران والولايات المتحدة يسعيان إلى التوصل إلى اتفاق سريع، مشيراً إلى أن بلاده “ليست مهتمة بالمحادثات لمجرد التحدث”.
دور الوساطة العمانية
تلعب عمان دوراً محورياً كوسيط بين الطرفين، حيث يتولى وزير خارجيتها بدر البوسعيدي مهمة نقل الرسائل بين الوفدين الإيراني والأمريكي. وقد شدد البوسعيدي في تصريح سابق على أن بلاده “ستواصل العمل معاً وبذل المزيد من الجهود للمساعدة في الوصول إلى هذا الهدف” المتمثل في تحقيق “السلام والأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي”.
وتاريخياً، لعبت عمان دور الوسيط بين الدول الغربية وإيران، وقد نجحت في التوسط لإطلاق سراح العديد من المواطنين الأجانب ومزدوجي الجنسية المحتجزين لدى الجمهورية الإسلامية.
السياق الإقليمي والدولي للمحادثات
مخاوف التصعيد الإقليمي
تأتي هذه المحادثات وسط مخاوف من تصعيد إقليمي، خاصة مع تهديدات ترامب المتكررة باستخدام العمل العسكري إذا استمرت إيران في تخصيب اليورانيوم، الذي تراه الدول الغربية طريقاً محتملاً لصنع أسلحة نووية.
وكشفت مصادر إعلامية أن إيران وجهت إنذارات إلى العراق والكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر وتركيا والبحرين بأن أي دعم لهجوم أمريكي على إيران سيعتبر عملاً عدائياً، مما يعكس حساسية الوضع الإقليمي.
موقف الوكالة الدولية للطاقة الذرية
أشار رافائيل غروسي، رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يوم الأربعاء الماضي إلى أن إيران “ليست بعيدة” عن امتلاك سلاح نووي. وقد أجرى عراقجي اتصالاً هاتفياً مع غروسي يوم الثلاثاء، أطلعه خلاله على وضع المفاوضات. ورحب غروسي بشفافية إيران وأعرب عن استعداد الوكالة لدعم العملية بما يتماشى مع تفويضها.










