عاد الجدل ليتجدد حول مصادر تمويل برنامج “تكافل وكرامة”، الذي طالما رُوج له باعتباره أحد أهم إنجازات الحكومة في مجال الحماية الاجتماعية.
فبينما صدرت حملات إعلامية تتغنى بالبرنامج كدليل على رعاية الدولة للفئات الأكثر احتياجًا، كشفت التصريحات الرسمية مؤخرًا عن اعتماد البرنامج بشكل رئيسي على قروض ومساعدات دولية.
في هذا السياق، صرحت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي ومحافظ مصر لدى البنك الدولي، بأن البنك الدولي قدم على مدار عشر سنوات تمويلات تنموية لبرنامج «تكافل وكرامة» بقيمة 1.4 مليار دولار.
وأضافت أن البنك لم يكتف بالدعم المالي فقط، بل وفر أيضًا دعمًا فنيًا ساهم في بناء قدرات الموظفين الحكوميين، ورقمنة عمليات صرف الدعم النقدي، بالإضافة إلى تطوير أنظمة المتابعة والتقييم.
هذا التصريح، الذي جاء خلال استعراض المشاط للتجربة المصرية ضمن اجتماعات الربيع للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي بواشنطن، أكد أن برنامج “تكافل وكرامة” يتجاوز كونه مبادرة وطنية خالصة، ليصبح نموذجًا عالميًا لبرامج الحماية الاجتماعية، بدعم وتنسيق مع البنك الدولي.
وأشارت المشاط إلى أن البرنامج ساهم في الوصول إلى أكثر من 4.6 مليون أسرة مستفيدة، مع وضع شروط مثل تسجيل الأطفال بالمدارس وإجراء فحوصات صحية دورية للأسر المستفيدة.
غير أن هذه التصريحات فتحت الباب لانتقادات واسعة على السوشيال ميديا، حيث تساءل البعض عن طبيعة “الإنجازات الوطنية” إذا كانت ممولة عبر قروض خارجية.
وقال معلقون بسخرية إن ما تبقى من المشروعات الكبرى مثل “الأسمرات 1″ و”الأسمرات 2” قد يكون هو الآخر معتمدًا على تمويل خارجي، في إشارة إلى أن الإنجاز الأبرز هو “قدرة الحكومة الخارقة على الاستدانة”.
اللافت أن الوزيرة المشاط دافعت عن البرنامج باعتباره تحولًا تشريعيًا مهمًا، مع إقرار قانون جديد يحول “تكافل وكرامة” من مبادرة وقتية إلى حق قانوني للمستحقين، لا سيما كبار السن وذوي الهمم والأيتام، مع الالتزام الدستوري بتحقيق العدالة الاجتماعية.
لكن تبقى التساؤلات قائمة: هل يكفي إدخال تمويل خارجي في مشاريع الحماية الاجتماعية لتبرير التغني بها كإنجازات وطنية؟ وأين الخزانة العامة ودور الحكومة في تمويل حقوق المواطنين الأساسية دون اللجوء إلى المزيد من الديون؟
حتى الآن، لا تزال الحكومة تروج للبرنامج بوصفه قصة نجاح، فيما تزداد الأصوات المعارضة التي ترى أن تكاليف الاقتراض ستدفعها الأجيال القادمة، من أجل مشاريع تم بيعها للناس باعتبارها من “مال الدولة” و”جهود الحكومة”.
فبعد أن صدّعت الحملات الإعلامية رؤوس المواطنين بإنجازات البرنامج، ظهرت تساؤلات حادة عن حقيقة مصادر تمويله، وسط اتهامات بأن البرنامج يعتمد بشكل أساسي على قروض ومساعدات من مؤسسات دولية وعلى رأسها البنك الدولي.
تساؤلات الرأي العام تركزت حول ما إذا كان “تكافل وكرامة” يُموَّل فعلًا من الخزانة العامة للدولة أم من قروض خارجية، وهو ما يضع الكثير من الشعارات الرسمية حول “الجهود الوطنية” موضع تشكيك.
بعض الناشطين عبروا عن دهشتهم من أن برنامجًا بهذه الضخامة، الذي كان يُفترض أن يُمول من مصروفات الوزارات أو المخصصات المحلية، يعتمد فعليًا على دعم البنك الدولي، مما اعتبروه نوعًا من “الاستدانة باسم الفقراء”.
التساؤلات لم تتوقف عند برنامج “تكافل وكرامة”، بل امتدت إلى مشروعات كبرى مثل “الأسمرات 1” و”الأسمرات 2″، حيث أُثيرت فرضيات عن وجود تمويلات خارجية لتلك المشروعات أيضًا، مما دفع البعض للسخرية قائلين إن “الإنجاز الحقيقي للسلطة هو قدرتها الخارقة على الاستدانة”.
جدير بالذكر أن وزيرة التضامن الاجتماعي، التي تشرف على برنامج “تكافل وكرامة”، تعرضت لانتقادات لاذعة، حتى أن البعض اتهمها بالعمل لصالح جهات إعلامية معارضة، في إشارة إلى قنوات مثل “مكملين”، في محاولة لتفسير سياسات الوزارة التي بدت للبعض متناقضة مع الخطاب الوطني الرسمي.
حتى اللحظة، لم يصدر رد رسمي واضح من الحكومة بشأن طبيعة تمويل “تكافل وكرامة”، مما يترك باب الشكوك مفتوحًا ويزيد من حالة الغضب الشعبي تجاه ما يعتبره البعض “اتجارًا بفقر المواطنين تحت لافتة الإنجازات”.










