تصاعد التوتر الدبلوماسي: ترامب ومطالب مرور السفن الأمريكية مجانًا عبر قناتي السويس وبنما
أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة حول مطالبة الولايات المتحدة بحرية مرور سفنها العسكرية والتجارية عبر قناتي السويس وبنما دون رسوم ردود فعل متباينة، مما يطرح تساؤلات حول احتمالية اندلاع صراع دبلوماسي مع كل من مصر وبنما. تأتي هذه المطالب في سياق تصعيد أمريكي تجاه الممرات المائية الاستراتيجية، مع إشارات إلى تداعيات اقتصادية وسياسية قد تعيد تشكيل التحالفات الإقليمية.
السياق التاريخي والقانوني للمطالب الأمريكية
استند ترامب في مطالبه إلى حجج تاريخية تشير إلى الدور الأمريكي في حماية الممرات المائية الدولية، مستشهدًا بالمعاهدات التي تمنح الولايات المتحدة أولوية في المرور مقابل التزامات أمنية. لكن بنما ومصر تؤكدان التزامهما باتفاقية القسطنطينية لعام 1888 الخاصة بقناة السويس، واتفاقية توريخوس-كارتر لعام 1977 الخاصة بقناة بنما، والتي تنص على معاملة جميع السفن بشكل متساوٍة
الرفض البنمي والمصري القاطع
أصدرت سلطة قناة بنما بيانًا رسميًا نفت فيه أي تعديلات على رسوم العبور، مشددة على أن الإدارة الحالية تلتزم بالتشريعات الدولية. من جهتها، أكدت مصر عبر هيئة قناة السويس التزامها الكامل بحرية الملاحة وفقًا للاتفاقيات، مع الإشارة إلى أن الرسوم تشكل 2.3% من الناتج القومي المصري.
الأبعاد الجيوسياسية للتصعيد الأمريكي
المخاوف من النفوذ الصيني
كشفت وثائق دبلوماسية عن خلفية التصعيد الأمريكي، حيث اتهم ترامب بنما بمنح الصين نفوذًا في إدارة الموانئ المجاورة للقناة عبر استثمارات بلغت 1.5 مليار دولار. جاء ذلك بالتزامن مع إعلان بنما عدم تجديد مشاركتها في مبادرة الحزام والطريق الصينية، في خطوة رحب بها ماركو روبيو وزير الخارجية الأمريكي.
التداعيات الاقتصادية المحتملة
حذر خبراء اقتصاد من أن الإعفاء المطلوب قد يُكبد قناة بنما خسائر سنوية تقدر بـ370 مليون دولار، بينما قد تخسر مصر ما يصل إلى 7 مليارات دولار سنويًا في حال تطبيق المطالب على السويس. تُعتبر هذه الإيرادات حيوية لكلا البلدين، خاصة مع الأزمات الاقتصادية التي تواجهها مصر بعد تراجع حركة الملاحة بسبب التهديدات الحوثية.
ردود الفعل الدولية وتحالفات محتملة
أبدت روسيا والصين دعمًا واضحًا لموقف بنما ومصر، حيث أصدرتا بيانًا مشتركًا أمام مجلس الأمن دعيا إلى “احترام السيادة الوطنية”. في المقابل، دعت المفوضية الأوروبية إلى حلول متعددة الأطراف، بينما حذر مركز “راند” الأمريكي من فرض رسوم انتقامية على السفن البنمية.
السوابق التاريخية والسيناريوهات المستقبلية
يستحضر هذا النزاع ذكريات التدخل الأمريكي في بنما عام 1989، وأزمة قناة السويس عام 1956. يُتوقع أن تتراوح السيناريوهات المستقبلية بين تفعيل “بند الطوارئ” في المعاهدات الذي يسمح بالتدخل العسكري، أو اللجوء إلى التحكيم الدولي، أو مفاوضات ثلاثية تشمل الصين كوسيط.
التأثيرات على الاستقرار الإقليمي
أكد محللون في معهد بروكنغز أن الأزمة قد تعيد تعريف قواعد الملاحة العالمية، مع تصاعد التنافس بين القوى الكبرى على السيطرة على الممرات الاستراتيجية. في الوقت نفسه، حذرت منظمات دولية من تأثيرات هذه الأزمة على سلاسل التوريد العالمية، خاصة مع انخفاض حركة الملاحة في قناة السويس بنسبة 60-70%.
الموقف الشعبي والدبلوماسية العامة
أظهرت استطلاعات الرأي في بنما أن 78% من السكان يعارضون المطالب الأمريكية، بينما انتشرت هاشتاجات مثل #لا_للاستعمار_الجديد في مصر. من الناحية الدبلوماسية، أعلنت مصر تعليق محادثات تجارية مع واشنطن، في حين بدأت بنما مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي لتعزيز التعاون الاقتصادي.
مفترق طرق دبلوماسي
تمثل المطالب الأمريكية اختبارًا حاسمًا لسيادة الدول على مواردها الاستراتيجية، في وقت تتصاعد فيه التنافسات الجيوسياسية حول الممرات المائية. بينما تبدو مصر وبنما مصممتين على الدفاع عن موقفهما، يبقى السؤال حول مدى استعداد الإدارة الأمريكية لتصعيد الأزمة، وما قد يترتب على ذلك من إعادة رسم لتحالفات إقليمية ودولية.










