جهادي سوري مطلوب للإنتربول يحصل على الجنسية التركية ويستثمر الملايين في أنطاليا
كشف برلماني تركي بارز ادعاءات صادمة تفيد بأن السلطات التركية منحت الجنسية لعصام بويضاني، القيادي السابق في تنظيم “جيش الإسلام” السوري المتطرف، والمطلوب من قبل الإنتربول بناءً على طلب فرنسي. القضية أثارت تساؤلات جدية حول سياسات منح الجنسية التركية ومدى دقة الفحوصات الأمنية للمتقدمين، خاصة في ظل التقارير التي تشير إلى استثمار بويضاني عشرات الملايين من الدولارات في قطاع السياحة التركي بعد حصوله على الجنسية وتغيير هويته.
تفاصيل القضية والكشف عنها
كشف تورهان تشوميز، البرلماني عن حزب “الجيد” المعارض ورئيس الكتلة البرلمانية للحزب، معلومات مثيرة للقلق حول منح الجنسية التركية لعصام بويضاني، قائد تنظيم جيش الإسلام السوري السابق. وأشار تشوميز في تغريدة على وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن بويضاني غير اسمه إلى عصام بدات أوغلو بعد حصوله على الجنسية التركية، وأنه يستثمر ملايين الدولارات في القطاع السياحي بمدينة أنطاليا.
وقال تشوميز في تغريدته: “يبدو أننا منحنا الجنسية التركية لعصام بويضاني، القيادي السابق في التنظيم الجهادي السوري ‘جيش الإسلام’! وقد غير اسمه الآن إلى عصام بدات أوغلو”. وأضاف: “هذا الشخص استثمر عشرات الملايين من الدولارات في مجال السياحة بأنطاليا”.
اعتقال بويضاني في دبي
وفقاً للبرلماني التركي، فإن بويضاني استخدم جواز سفره التركي الجديد للسفر إلى دبي، لكن السلطات ألقت القبض عليه عند الحدود وتم اعتقاله استناداً إلى النشرة الحمراء الصادرة من الإنتربول. وقد أثار هذا الأمر أسئلة حول كيفية تمكن شخص مطلوب دولياً من الحصول على الجنسية التركية والسفر بحرية.
من هو عصام بويضاني وما هو تنظيم جيش الإسلام؟
خلفية عن القيادي الجهادي
تم تعيين عصام بويضاني، الملقب بأبو همام، في ديسمبر 2015 قائداً لفصيل جيش الإسلام خلفاً للقيادي زهران علوش الذي لقي حتفه إثر غارة جوية. قاد بويضاني المعارك ضد الجيش السوري وطالب الأهالي في الغوطة الشرقية أكثر من مرة بعدم عقد تسويات مع الحكومة السورية، لكنه كان من أوائل الخارجين بالحافلات الخضراء إلى الشمال السوري ومنها إلى تركيا.
تنظيم جيش الإسلام
جيش الإسلام هو تحالف من الفصائل الإسلامية المشاركة في الحرب الأهلية السورية، وكان يُعرف سابقاً باسم لواء الإسلام. تأسس التنظيم على يد زهران علوش، نجل العالم الديني عبد الله محمد علوش، بعد إطلاق سراحه من السجن في منتصف عام 2011. وكان تنظيم جيش الإسلام من بين الفصائل الرئيسية المدعومة من المملكة العربية السعودية.
التهم الموجهة لبويضاني والنشرة الحمراء
وثائق جرائم الحرب
أشار البرلماني التركي تورهان تشوميز إلى أن فرنسا تمكنت من الحصول على وثائق تثبت تورط بويضاني في مجازر ارتكبها في سوريا، وطلبت من الإنتربول إصدار نشرة حمراء بحقه. وتأتي هذه المعلومات في سياق ملاحقات قضائية سابقة لقياديين من جيش الإسلام، حيث تم اعتقال مجدي مصطفى نعمه (الملقب بإسلام علوش)، المتحدث السابق باسم جيش الإسلام، في فرنسا بتهم تتعلق بالتعذيب وجرائم الحرب.
ما هي النشرة الحمراء؟
النشرة الحمراء هي طلب موجه إلى أجهزة إنفاذ القانون في جميع أنحاء العالم لتحديد مكان شخص ما واعتقاله مؤقتاً في انتظار تسليمه أو إجراء قانوني مماثل. وهي تستند إلى مذكرة توقيف أو أمر محكمة صادر عن السلطات القضائية في البلد الطالب. وتحتوي النشرة الحمراء على معلومات لتحديد هوية الشخص المطلوب ومعلومات تتعلق بالجريمة التي يُطلب من أجلها.
استثمارات بويضاني المشبوهة في تركيا
ملايين الدولارات في قطاع السياحة
كشف نشطاء سوريون تفاصيل استثمار قائد جيش الإسلام في تركيا، موضحين أن عصام بويضاني تقدم بصفته رجل أعمال سوري إلى مجلس ولاية أنطاليا التركية لاستثمار أرض بقيمة 30 مليون دولار، وذلك بهدف إقامة مول تجاري ضخم تناهز تكلفته 70 مليون دولار. وهو ما دفع أحد المسؤولين الأتراك إلى استقباله، وتم إبلاغ مجلس الولاية برغبة والي أنطاليا في لقاء المستثمر السوري.
مصدر الثروة المشبوهة
أشارت وسائل إعلام سورية إلى أن قائد جيش الإسلام استطاع إخراج أموال طائلة من الغوطة الشرقية، مؤكدة أن مصدرها الأساسي الدعم الخارجي الذي كانت تتلقاه الفصائل العسكرية في سوريا من دول إقليمية وعربية. وقد حقق قادة الفصائل السورية المسلحة ثروات طائلة خلال فترة تواجدهم في المدن والبلدات السورية من خلال الجباية التي فرضتها تلك الفصائل على المدنيين السوريين ومصادرة أملاك البعض منهم، فضلاً عن إبرام صفقات مع بعض الأطراف المتصارعة في سوريا مقابل الحصول على امتيازات مالية.
سياسة تركيا في منح الجنسية للسوريين والمستثمرين
برنامج الجنسية التركية للمستثمرين
وفقاً للقانون التركي، يمكن الحصول على الجنسية التركية من خلال ثلاث طرق: الإجراء العادي (الإقامة 5 سنوات)، الزواج من مواطن تركي (3 سنوات)، والظروف الاستثنائية للمستثمرين أو المساهمين في تقدم تركيا. وتمنح تركيا الجنسية للمستثمرين الذين يشترون عقارات بقيمة 400,000 دولار فأكثر، ويمكن اكتساب الجنسية التركية في 8-9 أشهر من خلال هذا البرنامج.
موقف أردوغان من اللاجئين السوريين
أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في عام 2016 أن الحكومة تعمل على مشروع من شأنه أن يسمح للراغبين من اللاجئين السوريين بالحصول على الجنسية التركية. وصرح في خطاب ألقاه في محافظة كيليس الحدودية مع سوريا: “سأزف إليكم خبراً ساراً. سنساعد أصدقاءنا السوريين من خلال منحهم الفرصة إذا كانوا يرغبون للحصول على الجنسية التركية”.
تداعيات القضية وردود الفعل
استجواب برلماني حول القضية
كشف البرلماني تورهان تشوميز عن تقديمه طلب استجواب لوزارة الداخلية التركية حول هذه القضية. وقال: “لقد وجهت أسئلة إلى وزارة الداخلية حول تفاصيل هذه الفضيحة، وسأشارككم الإجابات إذا ما قرروا الرد”.
مخاوف من تسهيل إفلات مجرمي الحرب من العقاب
تثير القضية مخاوف من استغلال برامج الجنسية التركية كوسيلة لتوفير ملاذ آمن لمرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. وتأتي هذه القضية في وقت تتزايد فيه الجهود الدولية لمساءلة المتورطين في الانتهاكات في سوريا، حيث أكد بسام الأحمد، المدير التنفيذي لمنظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، أهمية محاكمة قادة المعارضة المسلحة: “سيمنح هذا الأمل لعائلات الضحايا، وسيشجع أيضاً مجموعات الحقوق على توثيق جميع الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعات المسلحة المتورطة في الحرب السورية”.
أسئلة بلا إجابات
تثير قضية منح الجنسية التركية لعصام بويضاني تساؤلات جدية حول سياسات التجنيس في تركيا ومدى دقة الفحوصات الأمنية للمتقدمين، خاصة في ظل التقارير الدولية عن تورط بعض الأفراد في أعمال إرهابية وجرائم حرب. كما تبرز مخاوف حول احتمالية استغلال الاستثمارات الكبيرة كوسيلة للحصول على مزايا قانونية في تركيا وتجنب الملاحقة الدولية.
تكتسب القضية أهمية خاصة في سياق تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة التي تعهد فيها بأن تركيا “قادرة على سحق كل التنظيمات الإرهابية في سوريا”، مما يثير التساؤل حول مدى التزام أنقرة بمكافحة الإرهاب إذا كانت في الوقت نفسه تمنح الجنسية لشخصيات مطلوبة دولياً.
في انتظار رد وزارة الداخلية التركية على الاستجواب البرلماني، يبقى السؤال المطروح: هل ستكون هناك مراجعة لسياسات منح الجنسية التركية للمستثمرين الأجانب لضمان عدم استغلالها من قبل أشخاص مطلوبين دولياً؟










