المجلس العسكري في السويداء يُفعّل لواء حرس الحدود: خطوة جديدة نحو الحكم الذاتي للدروز في سوريا
في خطوة تعكس تحولًا ملحوظًا في المشهد السياسي والعسكري السوري، أعلن المجلس العسكري في محافظة السويداء عن تفعيل “لواء حرس الحدود” التابع له، في إجراء يُنظر إليه على أنه خطوة إضافية نحو تعزيز استقلالية المنطقة ذات الغالبية الدرزية عن سلطة الحكومة المركزية في دمشق. هذا التطور يمثل تحولًا جوهريًا في مسار العلاقة بين المكون الدرزي والدولة السورية، ويطرح أسئلة مهمة حول مستقبل الترتيبات الإدارية والسياسية في سوريا ما بعد الصراع.
تأسيس المجلس العسكري وأهدافه المعلنة
تأسس “المجلس العسكري للسويداء” في محافظة السويداء، جنوب سوريا، في 24 شباط/فبراير 2025. وُشكل هذا المجلس من قبل مجموعة من العسكريين المنشقين عن النظام السوري وضباط متقاعدين، إضافة إلى مقاتلين محليين من أبناء المحافظة. يترأس المجلس العقيد طارق الشوفي، وهو ضابط درزي كان قد انشق عن الجيش السوري في وقت سابق.
ويدّعي هذا المجلس أن من أهدافه تحقيق متطلبات حماية المجتمع والأمن الوطني والإقليمي، وحماية الحدود الجنوبية من عصابات التهريب والسلاح والمخدرات، ومنع تسلل المنظمات الإرهابية المتطرفة عبرها. كما يقول أنه سيكون جزءًا من الجيش الوطني للدولة السورية الجديدة التي اشترط بأن تكون دولة “ديمقراطية علمانية لامركزية”.
تفعيل لواء حرس الحدود: خطوة نحو الاستقلالية العسكرية
أعلن المجلس العسكري في محافظة السويداء السورية مؤخرًا عن تفعيل “لواء حرس الحدود”، ردًا على ما يصفه بالتهديدات التي تواجه المنطقة. هذا التحرك يعتبر تطورًا مهمًا، حيث كان “الفوج الثامن” من قوات حرس الحدود السورية الرسمية متمركزًا تاريخيًا في السويداء كجزء من القوات البرية السورية.
يشير قرار تفعيل لواء عسكري مستقل لحراسة الحدود إلى نية واضحة من قبل المجلس العسكري للسويداء لتولي مسؤوليات أمنية كانت من اختصاص الحكومة المركزية سابقًا. هذا التطور يضاف إلى سلسلة من الإجراءات التي تعكس سعي القيادات الدرزية لتعزيز الحكم الذاتي في مناطقهم.
موقف القيادة الدرزية من تسليم السلاح وتطلعات الحكم الذاتي
أكد الشيخ حكمت الهجري، الزعيم الروحي لدروز سوريا، أن الحديث عن تسليم السلاح في محافظة السويداء لا يزال مبكرًا للغاية. وقال في مقابلة تلفزيونية: “تسليم السلاح أمر مرفوض نهائيا لحين تشكيل الدولة وكتابة الدستور الذي يضمن حقوق الدروز وحقوق الجميع”.
وشدد الهجري على أن الطائفة الدرزية، مثل باقي المكونات السورية، تؤمن بالحاجة إلى دولة مدنية تضمن العدالة والمساواة للجميع. وأضاف: “يجب أن تكون الدولة مدنية لتجنب أي انتكاسات”، معتبرًا أن الوضع القائم في سوريا يتطلب مشاركة جميع الأطراف في صياغة مستقبل البلاد.
اتفاق مع الحكومة السورية الانتقالية: نموذج للاندماج شبه الذاتي
في مارس 2025، أُعلن عن توصل الحكومة السورية الانتقالية وقادة من المجتمع الدرزي في محافظة السويداء إلى اتفاق يهدف إلى دمج المحافظة بشكل كامل في مؤسسات الدولة.
يتضمن الاتفاق بنودًا مهمة، منها دمج قوات الأمن في السويداء مع وزارة الداخلية السورية، مع الاحتفاظ بخصوصية توظيف أفراد الشرطة حصريًا من سكان محافظة السويداء. كما تحتفظ الحكومة السورية بسلطة تعيين كل من محافظ ورئيس شرطة السويداء، لكن دون اشتراط أن يكونوا من الدروز أو من المنطقة.
يُنظر إلى هذا الاتفاق على أنه محاولة للموازنة بين الحكم الذاتي المحلي والحوكمة الوطنية، مما يعكس نموذجًا محتملًا للاندماج شبه الذاتي الذي قد يتم تطبيقه في مناطق أخرى من سوريا.
تصاعد التوتر بين السويداء ودمشق
على الرغم من المساعي الدبلوماسية، تشير التقارير الأخيرة إلى تفاقم الأزمة بين السويداء ودمشق. فقد كثفت الحكومة السورية جهودها لتقليص السلاح المنفلت، ما أسفر عن حل اللواء الثامن في بصرى الشام، فيما يرفض بعض القادة المحليين الانضمام إلى الحكومة الجديدة.
وفي تطور لافت، صدرت تهديدات من المجلس العسكري في السويداء بتحرير دمشق من “الإرهابيين”، على حد تعبيرهم. وقد تزامن ذلك مع تصاعد الهجمات والسرقات في المنطقة بسبب التوترات السياسية.
مزاعم الدعم الخارجي وتصاعد الانتقادات
واجه المجلس العسكري في السويداء انتقادات واتهامات من مختلف الأطراف، بما في ذلك من بعض أبناء المنطقة أنفسهم. فقد اتُهم المجلس بتبني أجندات انفصالية والسعي نحو إقامة إقليم درزي مستقل بدعم خارجي، خاصة من إسرائيل.
ويشير بعض المراقبين إلى تعاون المجلس العسكري مع ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بشكل وثيق، معتبرًا إياها “قوة دافعت عن أراضيها وسكانها ضد الإرهاب والديكتاتورية”. وقد أثار تبني المجلس علمًا يحتوي على خريطة سوريا بشكل مشابه للعلم الذي تستخدمه قسد، مع تعديل يبرز محافظة السويداء وإضافة نجمة خماسية درزية، المزيد من الشكوك حول أهدافه الحقيقية.
التطلعات المستقبلية للمكون الدرزي في سوريا
يتداول في الأوساط الدرزية السورية نقاش علني حول فكرة “الحكم الذاتي” في السويداء. حيث يقترح البعض استبدال المكاتب الحكومية في المحافظة بهيئات درزية محلية تدير شؤون المنطقة بشكل مستقل عن الحكومة المركزية.
من بين أبرز الداعمين لهذه الفكرة العميد السوري المتقاعد نايف العاقل، الذي كان من أوائل المدافعين عن ضرورة إقامة حكم ذاتي للطائفة الدرزية. وتبدو هذه الدعوات متسقة مع التحركات العملية التي يقوم بها المجلس العسكري حاليًا.
مستقبل دروز سوريا
يمثل تفعيل لواء حرس الحدود من قبل المجلس العسكري في السويداء نقطة تحول مهمة في مسار العلاقة بين المكون الدرزي والدولة السورية. هذه الخطوة، إلى جانب المواقف المعلنة للقيادات الدرزية والاتفاقات مع الحكومة الانتقالية، تشير إلى اتجاه واضح نحو تعزيز الحكم الذاتي للدروز في سوريا.
ومع ذلك، يبقى مستقبل هذه التطورات مرتبطًا بمسار التسوية السياسية الشاملة في سوريا، ومدى قدرة مختلف الأطراف على تحقيق التوازن بين تطلعات المكونات المجتمعية المختلفة من جهة، والحفاظ على وحدة البلاد وسيادتها من جهة أخرى.
تظل التطورات في السويداء مؤشرًا مهمًا على التحولات العميقة التي تشهدها سوريا في مرحلة ما بعد الصراع، وعلى تحديات بناء نظام حكم يحترم الخصوصيات المحلية ضمن إطار دولة موحدة تضمن حقوق جميع مكوناتها.










