في محاولة جديدة لتدارك أزمة النقد الأجنبي وسد العجز المتفاقم في السيولة، أعلن البنك المركزي المصري، الأحد، عن طرح أذون خزانة مقومة بالدولار الأمريكي لأجل عام واحد، بقيمة 950 مليون دولار، بحسب ما نقلته قناة CNBC عربية.
يأتي هذا الطرح ليضيف حلقة جديدة إلى سلسلة طويلة من الاعتماد المفرط على أدوات الدين، كحلول مؤقتة تهدف إلى تجميل مؤشرات الاقتصاد، دون معالجة حقيقية لجذور الأزمة الهيكلية التي يعيشها الاقتصاد المصري منذ سنوات.
اللجوء المفرط إلى الاستدانة
بدلًا من التركيز على تحفيز الإنتاج وزيادة الصادرات أو جذب استثمارات حقيقية، تواصل الحكومة المصرية اللجوء إلى أدوات مالية قصيرة الأجل، كأذون الخزانة المقومة بالعملات الأجنبية، في محاولة يائسة لتوفير سيولة دولارية عاجلة. هذه السياسات، رغم أنها توفر بعض النقد الأجنبي على المدى القصير، إلا أنها ترهن الاقتصاد بمزيد من الديون عالية الكلفة، وتضاعف أعباء خدمة الدين الخارجي.
الأذون المطروحة تستهدف البنوك والمؤسسات المالية التي تبحث عن استثمار آمن ومضمون العائد، لكنها في الوقت نفسه تمثل استنزافًا مستمرًا لموارد البلاد، حيث تُدفع فوائد مرتفعة بالدولار، تزيد من الضغوط على الموازنة العامة، وتؤجل فقط استحقاقات الأزمات إلى المستقبل القريب.
السياق العام: أزمة ثقة متفاقمة
يأتي هذا الطرح في ظل بيئة اقتصادية تتسم بتراجع ثقة المستثمرين وتآكل احتياطات النقد الأجنبي، وسط تباطؤ إيرادات المصادر التقليدية مثل السياحة وقناة السويس وتحويلات العاملين بالخارج. ويبدو أن الحكومة تراهن مجددًا على الاقتراض عوضًا عن إصلاح بيئة الاستثمار أو تنفيذ خطط إنتاجية قادرة على تحقيق نمو حقيقي ومستدام.
ويراقب المستثمرون هذا الطرح بكثير من الحذر، حيث سيُعدّ العائد الذي ستدفعه الحكومة مؤشرًا على مدى إلحاح الأزمة: كلما ارتفع العائد، دل ذلك على تزايد مخاطر الاستثمار في أدوات الدين المصرية.
نظرة إلى المستقبل
رغم محاولات التجميل الخطابي، فإن استمرار الحكومة في الاعتماد على أذون الخزانة الدولارية لا يعبر عن “تعزيز الاستقرار”، بل يكشف عمق الأزمة التي تدفع البلاد إلى دوامة من الاقتراض لتسديد القروض، دون قدرة حقيقية على الخروج من هذه الحلقة المفرغة.
إن المسار الحالي، إن استمر، سيزيد من هشاشة الاقتصاد أمام أي صدمة خارجية، ويترك أجيال المستقبل مثقلة بديون لم تسهم في بناء قاعدة إنتاجية أو تنمية مستدامة.










