في خطوة أثارت جدلاً واسعًا حول إدارة ملف الطاقة، أعلنت الحكومة المصرية تخصيص نحو 9.5 مليار دولار في موازنتها للسنة المالية الجديدة 2025/2024 لاستيراد الغاز الطبيعي ومشتقات الوقود، في وقت تتصاعد فيه الانتقادات بشأن الأداء الحكومي في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة.
ورغم أن مصر تعوم فوق حقول الغاز، يبدو أن قدرها أن تظل أكبر زبون دائم لأسواق الطاقة العالمية.
ويرى مراقبون أن هذا التخصيص الضخم يعكس استمرار اعتماد مصر على الاستيراد الخارجي، رغم التصريحات الرسمية المتكررة خلال السنوات الماضية عن تحقيق طفرة في إنتاج الغاز، خاصة مع اكتشافات البحر المتوسط مثل حقل “ظهر”. إلا أن واقع الأرقام يكشف عن فجوة متزايدة بين الإنتاج المحلي والاستهلاك المتصاعد، نتيجة غياب سياسات واضحة لترشيد الاستهلاك وتوسيع قاعدة الإنتاج.
وبحسب مصادر مطلعة، فإن الجزء الأكبر من الاعتمادات المالية سيُوجه لاستيراد الغاز الطبيعي المسال والمنتجات البترولية الأساسية مثل السولار والمازوت، ما يثير تساؤلات حول جدوى الاستثمارات الكبرى التي أُعلنت في قطاع الطاقة خلال العقد الماضي، ومدى قدرة الحكومة على إدارة هذه الموارد بفعالية تحقق أهداف الاستدامة الاقتصادية.
في المقابل، تبرر الجهات الرسمية هذا الإنفاق الكبير بتزايد الطلب المحلي على الطاقة، خصوصًا في قطاعي الصناعة والكهرباء، غير أن خبراء اقتصاد يؤكدون أن اعتماد الحكومة المستمر على سياسة “الاستيراد لسد العجز” يمثل معضلة هيكلية تهدد استقرار الموازنة العامة، وتزيد من أعباء الدين الخارجي في ظل تذبذب أسعار الطاقة عالميًا.
كما يُثار الانتقاد حول بطء الحكومة في تنفيذ برامج ترشيد استهلاك الطاقة وتحفيز الاستثمار في البدائل النظيفة، إذ لا تزال مشروعات الطاقة المتجددة تمثل نسبة ضئيلة مقارنة بالاحتياجات المتنامية، رغم امتلاك مصر مقومات كبيرة في مجالات الشمس والرياح.
ويرى محللون أن غياب التخطيط الاستراتيجي الطويل الأجل، والتأخر في تحقيق إصلاحات جذرية في قطاع الطاقة، قد يؤديان إلى استمرار الاعتماد المكلف على الأسواق الخارجية، مما يفاقم الضغوط على الاقتصاد الوطني ويهدد أهداف التنمية المستدامة التي تتبناها الحكومة نظريًا دون تحقيق نتائج ملموسة حتى الآن.
ومع دخول مصر عامًا ماليًا جديدًا وسط تحديات اقتصادية متزايدة، تظل التساؤلات قائمة حول مدى قدرة الحكومة على تحويل سياساتها الطاقوية من إدارة أزمة إلى إدارة موارد، ومن التعامل مع الأزمات الطارئة إلى التخطيط المستدام الفعلي.











