في ظل التصعيد التجاري الذي تشهده العلاقات بين الولايات المتحدة وبريطانيا، حذر عدد من رواد الأعمال البريطانيين من أن الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تهدد بشكل مباشر أرباح شركاتهم ومشاريعهم المستقبلية. فقد أظهر استطلاع أجرته شبكة رواد الأعمال “هيلم” أن 64% من أعضائها يعتقدون أن هذه الرسوم سيكون لها تأثير سلبي كبير على مداخيلهم، بينما صرح واحد من كل خمسة رجال أعمال بأنه يفكر جديًا في تقليص أنشطته في السوق الأمريكية أو إنهائها بالكامل. كما أفاد 13% بأنهم “من المرجح للغاية” أن ينسحبوا من السوق الأمريكية في حال استمرت هذه السياسة الحمائية.
مخاوف تتصاعد وتداعيات متوقعة
تتمحور المخاوف الرئيسية لرواد الأعمال البريطانيين حول الارتفاع الكبير في تكاليف سلاسل التوريد، وتأثير الرسوم الجمركية على تنافسية منتجاتهم داخل الأسواق الأمريكية، إضافة إلى تهديد العلاقات التوزيعية والشراكات القائمة مع شركات أمريكية. ومن المعروف أن الرئيس ترامب فرض رسومًا جمركية بنسبة 10% على معظم الواردات البريطانية، مع رفعها إلى 25% على قطاعات استراتيجية مثل صناعة السيارات والصلب، وهو ما يعتبره خبراء خطوة تهدف إلى حماية الاقتصاد الأمريكي على حساب الشركاء التجاريين التقليديين.
وتشير التقديرات الاقتصادية إلى أن رفع متوسط الرسوم الجمركية على الواردات البريطانية من 1.3% إلى 12.1% قد يؤدي إلى انخفاض حاد في الطلب الأمريكي على المنتجات البريطانية، مع توقع تراجع الصادرات البريطانية غير النفطية بنسبة تفوق 5% بحلول نهاية عام 2026، ما يُنذر بانعكاسات خطيرة على الاقتصاد البريطاني ككل.
ضغوط متزايدة على قطاعات التصنيع والخدمات
أظهرت دراسات حديثة أن حوالي 75% من شركات التصنيع والخدمات اللوجستية في المملكة المتحدة تتوقع ضررًا مباشرًا من هذه الرسوم. هذا الواقع دفع العديد من الشركات البريطانية إلى تجميد خططها الاستثمارية مؤقتًا، بل وبعضها بدأ يبحث عن بدائل تجارية وأسواق جديدة بعيدًا عن الاعتماد الكبير على السوق الأمريكية. الشركات التي ترتبط بشكل وثيق بسلاسل توريد أمريكية، أو التي تعتمد على تصدير المنتجات المصنعة إلى الولايات المتحدة، تجد نفسها الآن في موقف لا تحسد عليه.
تحركات حكومية بريطانية لمواجهة العاصفة
لم تقف الحكومة البريطانية مكتوفة الأيدي أمام هذا التصعيد التجاري. فقد دخلت لندن في مفاوضات مع واشنطن بهدف تخفيف أو إلغاء الرسوم المفروضة، وعرضت تقديم تنازلات محتملة تشمل خفض الضرائب المفروضة على شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى، أو تخفيض الرسوم الجمركية على واردات اللحوم والأسماك القادمة من الولايات المتحدة.
كذلك، أعلنت الحكومة عن تعليق الرسوم الجمركية على عشرات السلع المستوردة لمدة عامين، في محاولة لدعم الشركات البريطانية المتضررة وتقليل تكلفة الواردات الأساسية. وقد تعهدت الحكومة بحماية الشركات الوطنية ومساعدتها على تجاوز تبعات هذه الحرب التجارية.
استراتيجيات تكيف مبتكرة من جانب الشركات البريطانية
في مواجهة الواقع الجديد، بدأت العديد من الشركات البريطانية في اعتماد استراتيجيات بديلة للتكيف مع الوضع. فمنها من لجأ إلى تعديل هيكل تسعير منتجاته لتعويض التكاليف الإضافية، ومنها من شرع في استكشاف أسواق بديلة في أوروبا وآسيا لتعويض الخسائر المتوقعة في السوق الأمريكية.
بعض الشركات الكبرى فكرت أيضًا في توسيع وجودها الإنتاجي داخل الولايات المتحدة عبر إقامة مصانع أو فروع جديدة، لتجاوز الرسوم الجمركية وتحقيق حضور محلي يتيح لها الحفاظ على مكانتها في السوق الأمريكي.
كما أن بعض القطاعات شرعت في تطوير منتجات جديدة تتناسب مع متطلبات الأسواق الناشئة، مما قد يحول الأزمة إلى فرصة للنمو والابتكار على المدى البعيد.
خلاصة المشهد: تصعيد قد يعيد تشكيل العلاقات الاقتصادية
يبدو أن الرسوم الجمركية الجديدة لا تشكل فقط أزمة مؤقتة، بل قد تؤدي إلى إعادة تشكيل المشهد التجاري بين بريطانيا والولايات المتحدة. فالشركات البريطانية اليوم تجد نفسها أمام تحديّات كبرى، لكنها أيضًا أمام فرصة لإعادة تقييم أسواقها، وتنويع شراكاتها التجارية عالميًا.
وفي ظل استمرار المفاوضات بين الحكومتين، يبقى المستقبل غامضًا، وإن كان الأكيد أن تداعيات هذه الحرب التجارية ستمتد تأثيراتها إلى ما هو أبعد من الأرباح والخسائر المباشرة، لتطال النمو الاقتصادي العالمي واستقرار العلاقات الدولية الاقتصادية.










