بدأت الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس تنفيذ المرحلة الأولى من المجمع الصناعي لشركة “شين فينغ مصر للصلب”، بإجمالي استثمارات قدرها 1.65 مليار دولار، في واحدة من أكبر المبادرات الصناعية الصينية على الأراضي المصرية. هذا المشروع لا يمثل استثماراً معزولاً، بل هو جزء من تيار استثماري صيني متصاعد يعيد رسم خريطة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر.
أرقام النمو: استثمارات تلامس 9 مليارات دولار
بحسب البيانات الرسمية، بلغ حجم الاستثمارات الصينية المباشرة في مصر حتى نهاية العام المالي 2023/2024 نحو 9 مليارات دولار، مقارنة بتقديرات سابقة كانت تشير إلى 8 مليارات دولار. وتنتشر هذه الاستثمارات عبر أكثر من 2000 شركة عاملة في قطاعات متعددة، بما في ذلك الصناعة، والطاقة، والبنية التحتية.
وتشير مصادر أخرى إلى أن عدد الشركات ذات التمويل الصيني في مصر بلغ 2066 شركة، مما يعزز موقع الصين كواحدة من أكبر المستثمرين الأجانب في السوق المصري، بل وأسرعهم نمواً.
تحليلات نقدية: التوسع الصيني بين الفرص والمخاطر
رغم الإيجابيات الظاهرة، يثير هذا النمو المتسارع عدة تساؤلات نقدية:
تركيز الاستثمار: معظم الاستثمارات تتركز في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، مما قد يخلق فجوة جغرافية بين مناطق مصر المختلفة، ويعزز التفاوت التنموي بين الدلتا والصعيد والساحل الشرقي.
الاعتماد المفرط: الاعتماد على مستثمر رئيسي مثل الصين قد يعرض الاقتصاد المصري لمخاطر التبعية التجارية والاستراتيجية، خاصة مع تصاعد التوترات الجيوسياسية بين القوى الكبرى.
نقل التكنولوجيا: على الرغم من الكم الكبير للمشاريع، لا توجد مؤشرات واضحة حتى الآن على تحقيق نقل حقيقي للتكنولوجيا أو بناء سلاسل توريد محلية متطورة.
تطلعات 2025: مليارات إضافية على الطريق
وفق الخطط الحكومية، تسعى مصر إلى جذب استثمارات صينية جديدة بقيمة تتراوح بين 500 مليون إلى مليار دولار خلال عام 2025 فقط. وتشير التقديرات إلى أن 30 إلى 40 شركة صينية تدرس دخول السوق المصري، بإجمالي استثمارات قد تصل إلى 2 مليار دولار.
تركز هذه الاستثمارات المرتقبة على قطاعات صناعية ذات قيمة مضافة عالية:
الغزل والنسيج
السيارات والألواح الشمسية
الطاقة المتجددة
الصناعات الهندسية ومواد البناء
ميزات تنافسية لمصر… مع حاجة لإصلاحات
مصر تقدم للمستثمرين الصينيين ميزات مهمة، أبرزها:
موقع استراتيجي يصل إلى أكثر من 1.5 مليار مستهلك عبر اتفاقيات التجارة الحرة.
حوافز استثمارية داخل المناطق الاقتصادية الخاصة.
كلفة إنتاج تنافسية بالمقارنة مع الأسواق الأخرى في أفريقيا وآسيا.
ومع ذلك، تظل هناك حاجة ملحة لإجراء إصلاحات هيكلية في مجالات البيروقراطية، والقضاء، وتحسين بيئة الأعمال لضمان الاستدامة طويلة المدى لهذه الاستثمارات وعدم تحولها إلى مشاريع قصيرة الأجل مرتبطة بالسياسة أو التسهيلات المؤقتة.
الخلاصة: بين الزخم واليقظة
تقدم الاستثمارات الصينية فرصة ذهبية لتعزيز القدرات الصناعية المصرية وزيادة الصادرات، ولكن النجاح الحقيقي يتوقف على قدرة الحكومة المصرية على:
تعميق التكامل المحلي للصناعات.
ضمان التوزيع العادل للاستثمارات جغرافيًا.
الحفاظ على التنوع الاستثماري دون الاعتماد المفرط على شريك واحد.
فالمستقبل الواعد لن يبنى فقط بالأرقام، بل برؤية استراتيجية متوازنة تجمع بين جذب رأس المال الأجنبي وتعزيز القدرات الوطنية.











