أعاد حزب العدالة والتنمية “الإخوان المسلمين في المغرب” تجديد الثقة في أمينه العام عبد الإله بنكيران، وذلك خلال انعقاد المؤتمر الوطني التاسع للحزب في مدينة بوزنيقة يومي 26-27 أبريل 2025.
وفاز بنكيران بأغلبية ساحقة بنسبة 69.4% من إجمالي أصوات المؤتمرين، ليقود حزب العدالة والتنمية لولاية ثانية بعد عودته إلى قيادته في أكتوبر 2021
وتعد هذه المحطة مفصلية في تاريخ الحزب ذي المرجعية الإخوانية، الذي تعرض لهزيمة انتخابية مدوية في انتخابات 2021، حيث تراجع من المركز الأول بـ125 مقعدا إلى المركز الثامن بـ13 مقعدا فقط، ويسعى الآن لاستعادة مكانته استعدادا للانتخابات المقبلة في 2026.
مسيرة بنكيران وإعادة انتخابه على رأس الحزب
يعد عبد الإله بنكيران من أبرز الشخصيات السياسية في المغرب المعاصر، وهو من مواليد 4 أبريل 1954 (71 سنة) في الرباط. تميزت مسيرته السياسية بالتحولات، حيث بدأ حياته متعاطفا مع تنظيمات يسارية قبل أن ينتقل إلى الشبيبة الإسلامية عام 1976، ثم ساهم في تأسيس “الجماعة الإسلامية” وترأسها بين عامي 1986-1994.
وشغل منصب رئيس الحكومة المغربية السابع عشر بين 29 نوفمبر 2011 و5 أبريل 2017، وعاد ليتولى الأمانة العامة للحزب مرة أخرى في أكتوبر 2021 بعد الهزيمة الانتخابية.
خلال المؤتمر الوطني التاسع للحزب، حصل بنكيران على 974 صوتا، متفوقا بفارق كبير على منافسيه إدريس الأزمي الإدريسي الذي حصل على 374 صوتا (26.6%)، وعبد الله بووانو الذي حصل على 42 صوتا (2.9%). وقد شارك في عملية التصويت 1402 عضو، وتم تسجيل 1390 صوتا صحيحا.
كما صوت المجلس الوطني للحزب على أعضاء الأمانة العامة، التي ضمت شخصيات بارزة مثل مصطفى الخلفي، وأمينة ماء العينين، وعبد العالي حامي الدين، ومحمد يتيم، وغيرهم. وانتخب المجلس الوطني جامع المعتصم رئيسا له للولاية 2025-2029، وإدريس الأزمي الإدريسي نائبا أولا للأمين العام، وعبد العزيز عماري نائبا ثانيا، وسعيد خيرون مديرا عاما للحزب.
ويتبنى عبد الإله بنكيران رؤية سياسية تقوم على فكرة أن التغيير الحقيقي يبدأ من المجتمع نفسه، وأن دور الحركات الإسلامية لا ينبغي أن ينحصر في السعي للوصول إلى السلطة، بل في التركيز على إصلاح القيم وتربية الأفراد.يؤمن بأن الوصول إلى الحكم ليس هدفا في حد ذاته، بل نتيجة طبيعية لتغير المجتمع نحو الأفضل.
حزب العدالة والتنمية: النشأة والعلاقة بالإخوان المسلمين
تأسس حزب العدالة والتنمية المغربي عام 1967 على يد المقاوم المغربي عبد الكريم الخطيب. يعتبر الحزب ذا توجهات إخوانية ويهدف إلى المساهمة في بناء المغرب الديمقراطي الحديث في إطار ملكية دستورية.
وتمثل العلاقة بين حزب العدالة والتنمية وجماعة الإخوان المسلمين موضوعا مثيرا للجدل. تشير بعض المصادر إلى أن حزب العدالة والتنمية هو الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في المغرب، وأنه نشأ من خلال جماعة التوحيد والإصلاح الإسلامية المنبثقة من اتحاد عدة حركات إسلامية في المغرب.
تتمثل أهم عناصر الخريطة الإخوانية بالمغرب في تكتل “التوحيد والإصلاح” وحزب “العدالة والتنمية” المرتبط بواسطة “شراكة استراتيجية”، حيث يعد الأقرب لأدبيات الإخوان المسلمين وطرائق عملهم واختياراتهم المنهجية. ومع ذلك، فإن كل قيادات التنظيمين، الحركة والحزب، تؤكد عدم ارتباطها بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين.
علاقة حزب العدالة والتنمية بالسلطة المغربية
اتسمت علاقة حزب العدالة والتنمية بالمؤسسة الملكية بالتذبذب والبراغماتية. ففي بداياته، وافق الحزب على تقليص تغطيته للدوائر الانتخابية في الانتخابات التشريعية في 14 نوفمبر 1997، مكتفيا بتغطية 24 دائرة فقط من أصل 325. كما اتخذ قرارا مثيرا للجدل بعدم المشاركة في احتجاجات حركة 20 فبراير عام 2011، مما أثار انتقادات واسعة داخل الحزب وخارجه.
مقولة “لا نجاح إلا مع الملك، ولن ننخرط في منطق التنازع مع الملك” تلخص المقاربة التي ينتهجها حزب العدالة والتنمية في التعامل مع المؤسسة الملكية. هذه المقاربة تعكس سعي الحزب منذ تأسيسه إلى بناء علاقة تحالف مع الملكية، وهو ما يظهره سلوكه السياسي، سواء قبل توليه رئاسة الحكومة أو بعدها.
ويسعى حزب العدالة والتنمية إلى تحقيق توازن بين الالتزام بمبادئه الإسلامية والتكيف مع متطلبات النظام الملكي. ففي المغرب، تعتبر الملكية هي المؤسسة المهيمنة في النظام السياسي، وهي التي تضع الحدود التي يمكن للأحزاب السياسية التحرك ضمنها.
يرى محللون أن النموذج المغربي يتميز بـ”سياسة محافظة، وديمقراطية إسلامية، وقومية، وديمقراطية محافظة”. وقد تمكن حزب العدالة والتنمية من العمل ضمن هذا النظام، مع الحفاظ على هويته كحزب ذي مرجعية إسلامية.
سيناريوهات علاقة العدالة والتنمية مع السلطة
يمكن تصور ثلاثة سيناريوهات رئيسية لمستقبل العلاقة بين حزب العدالة والتنمية والسلطة في المغرب:
السيناريو الأول: الاستمرار في نهج البراغماتية والتوافق
في هذا السيناريو، يواصل الحزب سياسته التقليدية في التكيف مع متطلبات النظام الملكي، مع محاولة تحقيق مكاسب سياسية تدريجية. هذا النهج قد يسمح للحزب بالعودة إلى الواجهة السياسية، لكن بشكل أقل تأثيرا مما كان عليه في السابق
السيناريو الثاني: التحول نحو المعارضة القوية
قد يختار الحزب تبني موقف معارض أكثر وضوحا، خاصة إذا استمر تهميشه سياسيا. هذا الخيار يحمل مخاطر المواجهة مع النظام، لكنه قد يعزز شعبية الحزب لدى قطاعات من المجتمع التي تتطلع إلى تغيير حقيقي.
السيناريو الثالث: الانسحاب التدريجي من المشهد السياسي
في حال استمرار التضييق على الحزب وفشله في استعادة قاعدته الشعبية، قد يضطر إلى الانسحاب التدريجي من المشهد السياسي الرسمي والتركيز على العمل الدعوي والاجتماعي
آفاق الانتخابات التشريعية 2026
كشف بنكيران بعد انتخابه عن برنامج يتضمن ست أولويات، من بينها “الدفاع عن مغربية الصحراء” والاستعداد للاستحقاقات الانتخابية لسنة 2026 تعتبر الانتخابات التشريعية المقبلة محطة مصيرية للحزب، حيث ستحدد ما إذا كان قادرا على استعادة مكانته في المشهد السياسي أم أن هزيمة 2021 ستكون بداية لأفول نجمه.
يراهن الحزب على استثمار خبرته السابقة في الحكم، وعلى الكاريزما الشعبية لبنكيران، لاستعادة ثقة الناخبين.. كما يسعى إلى تقديم نفسه كبديل يملك رؤية واضحة لمعالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه المغرب.










