خرق تركي جديد للهدنة: قصف مسيّر يستهدف محيط سد تشرين الاستراتيجي
قصفت طائرة مسيرة تركية صباح اليوم الاثنين محيط سد تشرين الاستراتيجي في شمال سوريا، حيث دوّى انفجار قوي وتصاعدت أعمدة الدخان من المواقع المستهدفة غربي السد، في تطور يمثل خرقاً جديداً لاتفاقية وقف إطلاق النار الموقعة تحت إشراف أميركي. ويأتي هذا الهجوم في وقت تشهد المنطقة تحركات عسكرية مكثفة للجيش السوري، حيث أكدت مصادر حكومية إرسال تعزيزات إلى المنطقة تمهيداً لتولي السيطرة على السد، بالتزامن مع ارتفاع حدّة التوتر بين الأطراف المتصارعة في المنطقة.
تفاصيل الهجوم وخلفية التصعيد الأخير
استهدفت طائرة مسيّرة تركية محيط سد تشرين الاستراتيجي صباح اليوم، وسط تحليق مكثف للطيران الحربي في سماء المنطقة، حيث تصاعدت أعمدة الدخان من المواقع المستهدفة غرب السد، ولم ترد معلومات عن سقوط ضحايا جراء هذا القصف. يُعد هذا الهجوم الضربة الرابعة خلال اليومين الماضيين، في خرق واضح لاتفاقية وقف إطلاق النار التي تم التوصل إليها تحت رعاية أميركية.
وبحسب مصدر سوري حكومي، فإن قوات الجيش السوري دخلت إلى أطراف منطقة سد تشرين وأقامت نقاطاً عسكرية تمهيداً لتولي السيطرة على السد. وكشف المصدر أن القوات العسكرية من الطرفين عادت للتمركز في النقاط المتقدمة، حيث تمركزت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في قرية أبو قلقل على بعد 7 كيلومترات من السد، بالتوازي مع توجيه أوامر لتشكيلاتها برفع الجاهزية القتالية.
وكان شهر مارس الماضي قد شهد اشتباكات عنيفة بين قوات سوريا الديمقراطية والفصائل السورية المدعومة من تركيا في محيط سد تشرين، عقب هجوم شنّته الفصائل على نقاط تمركز لقسد، بدعم جوي تركي. وخلال تلك الاشتباكات، أسقطت قوات سوريا الديمقراطية طائرتين مسيرتين تابعتين للقوات التركية في محيط سد تشرين.
أهمية سد تشرين الاستراتيجية
يكتسب سد تشرين أهمية استراتيجية واقتصادية كبرى في الصراع السوري، حيث يقع على نهر الفرات في منطقة منبج بمحافظة حلب، ويبعد عن حلب 100 كيلومتر، ويمتد على نحو 900 متر، ويضم 6 توربينات لتوليد الكهرباء، ودخل الخدمة عام 1999.
يُعد سد تشرين أحد أكبر السدود على نهر الفرات، ويساهم بشكل أساسي في توليد الكهرباء وتنظيم تدفق المياه في المنطقة. ويستخدم السد لتنظيم تدفق المياه لري آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية في شمال سوريا، ما يجعل السيطرة عليه تعني التحكم في الأمن الغذائي للمنطقة.
كما تكمن الأهمية الاستراتيجية لهذا السد في البحيرة الضخمة التي تشكلت بعد بنائه، إذ تحتوي على كميات كبيرة من المياه العذبة المجمعة من نهر الفرات. وتعتبر بحيرة سد تشرين واحدة من أكبر البحيرات الصناعية في سوريا.
موقع السد الجغرافي يمنحه أهمية خاصة، إذ يقع في منطقة استراتيجية تربط بين محافظات حلب والرقة والحسكة، وهو ما يمنح من يسيطر عليه قدرة على التحكم في طرق الإمداد والتحركات العسكرية. إلى جانب ذلك، يمثل السد حاجزًا طبيعيًا يمكن استخدامه كخط دفاع أمام الهجمات العسكرية، ما يزيد من أهميته في المعادلة العسكرية.
اتفاق سد تشرين وتطورات الوضع الميداني
في وقت سابق من شهر أبريل الجاري، انتشرت قوات الجيش والأمن العام السورية في محيط سد تشرين، بناء على اتفاق تم التوصل إليه مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد). وينص الاتفاق، الذي يشرف عليه التحالف الدولي بقيادة واشنطن، على بقاء السد خاضعاً لـ”قسد” على أن تكون حمايته مشتركة.
كما ينص الاتفاق على إنشاء قوة عسكرية مشتركة بين “قسد” ودمشق لحماية السد وانسحاب الفصائل المدعومة من أنقرة “التي تحاول عرقلة هذا الاتفاق” من المنطقة. ويأتي ذلك في إطار اتفاق أشمل تم التوصل إليه الشهر الماضي بين قائد “قسد” مظلوم عبدي والرئيس السوري أحمد الشرع.
ضحايا التصعيد التركي في شمال سوريا
وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان، منذ بدء التصعيد في 12 كانون الأول/ديسمبر 2024، مقتل 628 شخصاً، منهم 56 مدنياً بينهم 7 سيدات و4 أطفال وصحفي، و468 عنصراً من الفصائل الموالية لتركيا، بينهم رقيب في الجيش التركي، و101 عنصراً من قوات “قسد” والتشكيلات العسكرية التابعة لها، بينهم قيادي، بالإضافة إلى 3 من القوات التركية.
وفي 18 يناير 2025، أعلنت الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا مقتل 4 أشخاص وإصابة 15 آخرين بهجوم تركي على سد تشرين بريف منبج شرقي حلب. وفي 21 يناير 2025، كشفت الإدارة الذاتية أن عدد ضحايا القصف التركي على المحتجين في سد تشرين بلغ 22 مواطناً بين شهيد ومصاب، بينهم صحفيون.
تاريخ الصراع حول السد
مرّ سد تشرين بعدة مراحل من السيطرة خلال الصراع السوري. ففي 25 نوفمبر 2012، تمكن الجيش الحر من السيطرة على السد بعد حصاره لمدة 5 أيام. وبعد عامين، في 15 مايو 2014، سيطر تنظيم داعش على السد وأحكم سيطرته على المنطقة بشكل كامل.
وفي عام 2015، تمكنت قوات سوريا الديمقراطية من طرد تنظيم داعش من السد واستخدمته كوسيلة لتعزيز موقفها في الشمال السوري، حيث يعد السد مصدراً أساسياً للكهرباء والمياه للمناطق الخاضعة لسيطرتها.
تداعيات التصعيد وآفاق الحل
تمثل الهجمات التركية الأخيرة تصعيداً غير مسبوق، في وقت تحاول فيه أنقرة فرض واقع ميداني جديد، وسط دعوات متزايدة لإيقاف التصعيد. وتواصل تركيا استهدافها للمدنيين المناوبين في سد تشرين والبنية التحتية الحيوية، وهو ما وصفته الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا بأنه “انتهاك صارخ للقوانين الدولية والإنسانية، ويهدد استقرار المنطقة وأمنها”.
طالبت الإدارة الذاتية الديمقراطية القوى الدولية، والمنظمات الحقوقية والإنسانية، بالتدخل الفوري لوقف هذه الهجمات المتكررة على المدنيين والمنشآت الحيوية. كما انتقدت “صمت القوى الدولية ومؤسسات حقوق الإنسان والأمم المتحدة”، معتبرة أن القصف “تحدٍ كبير لجميع القوانين والمواثيق الدولية، واستهداف مباشر لمساعي تحقيق الاستقرار في سوريا”.










