كوريا الشمالية تؤكد رسمياً نشر قواتها في روسيا للمشاركة في الحرب ضد أوكرانيا
في تطور هام يعكس تعمق العلاقات العسكرية بين بيونغ يانغ وموسكو، أكدت كوريا الشمالية للمرة الأولى رسمياً إرسال قوات عسكرية لمساندة روسيا في حربها ضد أوكرانيا. وقد جاء هذا الإعلان بعد أشهر من التكهنات وتقارير استخباراتية غربية تتحدث عن وجود قوات كورية شمالية في المعارك. وفقاً للمعلومات المتاحة، أرسلت بيونغ يانغ ما يقدر بـ 14,000 جندي، من بينهم 3,000 كتعزيزات لتعويض الخسائر، للقتال في جبهات الحرب الروسية الأوكرانية، وبالأخص في منطقة كورسك الحدودية التي شهدت معارك عنيفة خلال الأشهر الماضية.
الإعلان الرسمي والاعتراف بنشر القوات
كشفت وكالة الأنباء المركزية الكورية الرسمية يوم الاثنين 28 أبريل 2025 أن قرار نشر القوات الكورية الشمالية في الأراضي الروسية تم “بأمر” مباشر من الزعيم كيم جونغ أون، وذلك وفقاً لاتفاقية الدفاع المتبادلة الموقعة بين البلدين. وأوضحت الوكالة أن “العمليات لتحرير منطقة كورسك وصد الغزو المغامر للاتحاد الروسي من قبل السلطات الأوكرانية اختتمت بالنصر”، مشيرةً إلى أن وحدات فرعية من القوات المسلحة الوطنية شاركت في العمليات “وفقاً لأمر رئيس الدولة” كيم جونغ أون.
وأكدت الوكالة أن هذه الخطوة تأتي تنفيذاً للمعاهدة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين التي وقعها كيم جونغ أون والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في بيونغ يانغ في يونيو 2024، والتي تلزم الدولتين بتقديم المساعدة العسكرية لبعضهما البعض في حالة نشوب حرب. وبحسب الوكالة، فإن كيم قرر بعد استنتاجه أن الوضع استوفى شروط تفعيل معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع روسيا “مشاركة قواتنا المسلحة في الحرب وأبلغ الجانب الروسي بذلك”.
وادعت الوكالة أن الأنشطة العسكرية للقوات الكورية الشمالية في روسيا “تتوافق تماماً” مع ميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية الأخرى والمعاهدة الثنائية، و”تعتبر نموذجاً… للتعبير الأكثر إخلاصاً عن العمل لتنفيذها”.
موقف القيادة الروسية من المشاركة الكورية الشمالية
من جانبها، أشادت القيادة العسكرية الروسية بمساهمة القوات الكورية الشمالية في المعارك ضد القوات الأوكرانية في منطقة كورسك. وقد أعلن الجنرال فاليري غيراسيموف، رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، خلال تقرير قدمه للرئيس فلاديمير بوتين يوم السبت، أن العسكريين الكوريين الشماليين أظهروا “احترافية عالية وصموداً وشجاعة وبطولة في المعركة”.
وأوضح غيراسيموف أن “العسكريين من جيش الشعب الكوري الذين قاتلوا كتفاً إلى كتف مع الجنود الروس في صد الغزو الأوكراني أظهروا احترافية عالية، وصموداً، وشجاعة، وبطولة في المعركة”. وأضاف أن مشاركة القوات الكورية الشمالية تأتي بموجب اتفاقية الشراكة بين البلدين، مؤكداً أنهم قدموا مساهمة كبيرة في “تحرير” منطقة كورسك من الجنود الأوكرانيين.
وقد أعلن بوتين يوم السبت، أن القوات الروسية حررت بالكامل منطقة كورسك الحدودية من القوات الأوكرانية. ووفقاً لغيراسيموف، تكبدت القوات الأوكرانية أكثر من 76,000 إصابة، بين قتلى وجرحى، خلال توغلها في منطقة كورسك، الذي بدأ في أغسطس من العام الماضي.
تاريخ وحجم المشاركة الكورية الشمالية
بدأت التقارير الغربية والأوكرانية تتحدث منذ الخريف الماضي عن وجود قوات كورية شمالية في روسيا للمشاركة في الحرب. ووفقاً لتصريحات مسؤولين أوكرانيين وأمريكيين وكوريين جنوبيين، فقد نشرت كوريا الشمالية ما بين 10,000 و12,000 من قواتها في روسيا للقتال في منطقة كورسك.
ثم أفادت وكالة يونهاب الكورية الجنوبية في مارس 2025 أن كوريا الشمالية أرسلت 3,000 جندي إضافي إلى روسيا في يناير وفبراير 2025، ليصل العدد الإجمالي إلى حوالي 14,000 جندي. ووفقاً للبيانات الكورية الجنوبية، فقد قُتل أو أصيب حوالي 4,000 من الجنود الكوريين الشماليين في المعارك حتى الآن.
ولم تقتصر المساعدات الكورية الشمالية على القوات البشرية فقط، بل شملت أيضاً إرسال صواريخ باليستية قصيرة المدى، وحوالي 220 قطعة من مدافع الهاوتزر ذاتية الدفع عيار 170 ملم، وأنظمة إطلاق صواريخ متعددة عيار 240 ملم.
تصريحات كيم جونغ أون ودلالاتها
في خطوة تعكس أهمية هذه المشاركة بالنسبة للنظام الكوري الشمالي، وصف الزعيم كيم جونغ أون الأنشطة العسكرية لقواته في روسيا بأنها “مهمة مقدسة لتعزيز الصداقة والتضامن مع روسيا والدفاع عن شرف كوريا الشمالية”.
وقال كيم: “أولئك الذين قاتلوا من أجل العدالة هم جميعًا أبطال وممثلون لشرف الوطن الأم”. وفي إشارة واضحة إلى وقوع خسائر بشرية في صفوف القوات الكورية الشمالية، أعلن كيم أنه سيتم قريباً إقامة نصب تذكاري في بيونغ يانغ للإشادة ببطولتهم وشجاعتهم، وسيتم وضع أزهار أمام شواهد قبور الجنود الذين سقطوا في المعارك.
تحليل المكاسب والأهداف الاستراتيجية
رغم تكبد القوات الكورية الشمالية خسائر فادحة في البداية، إلا أنها تمكنت من التكيف بسرعة ومساعدة نظرائهم الروس في استعادة منطقة كورسك، على الرغم من أن كييف تقول إن جيوباً من المقاومة الأوكرانية لا تزال تقاتل هناك.
ويرى محللون أن المشاركة الكورية الشمالية في الحرب الروسية الأوكرانية تحقق فوائد استراتيجية لبيونغ يانغ، حيث تمكن الجنود الكوريون الشماليون من تعلم تكتيكات قتالية حديثة، فضلاً عن اكتساب خبرة قيمة في التعامل مع الأسلحة المتطورة مثل الطائرات بدون طيار.
ومنذ إطلاق روسيا غزوها الشامل لأوكرانيا في عام 2022، شهدت العلاقات بين موسكو وبيونغ يانغ تقارباً ملحوظاً، حيث قدمت كوريا الشمالية دعماً عسكرياً كبيراً لروسيا، وفي المقابل، يُعتقد أن روسيا تزود كوريا الشمالية بتقنيات عسكرية متطورة، ولا سيما في مجال الطائرات بدون طيار.
تداعيات الاعتراف الرسمي على العلاقات الدولية
يمثل اعتراف كوريا الشمالية رسمياً بنشر قواتها في روسيا تصعيداً في الصراع الروسي الأوكراني، وتطوراً خطيراً في العلاقات الدولية. فللمرة الأولى منذ نهاية الحرب الكورية، تشارك قوات كورية شمالية في قتال خارج حدودها، وهو ما يعكس تغيراً في السياسة الخارجية لبيونغ يانغ.
وفي الوقت الذي تستعد فيه القوى الغربية والحلفاء الأوروبيون للاجتماع في باريس لمناقشة المساعدات لأوكرانيا والاستقرار طويل الأمد في المنطقة، يأتي هذا الإعلان ليضيف بُعداً جديداً للأزمة، ويعقد الجهود الدبلوماسية الرامية إلى إيجاد حل سلمي للصراع.










