رامي مخلوف يعلن تشكيل “إقليم الساحل السوري” ويهدد بـ150 ألف مقاتل
أثار رامي مخلوف، رجل الأعمال السوري البارز وابن خال الرئيس السوري السابق بشار الأسد، الجدل في سوريا بعد إعلانه تشكيل ما أسماه “إقليم الساحل السوري” مدعوماً بقوة عسكرية هائلة قوامها 150 ألف مقاتل. ويشير إلى احتمال نشوء كيان سياسي انفصالي في المنطقة الساحلية ذات الأغلبية العلوية.
من هو رامي مخلوف؟ إمبراطورية اقتصادية وعلاقة متوترة مع الأسد
رامي مخلوف، المولود في 10 يوليو 1969، هو ابن محمد مخلوف شقيق أنيسة مخلوف والدة بشار الأسد. اكتسب نفوذاً هائلاً خلال فترة حكم ابن خاله، حيث كان يُعتبر أقوى شخصية اقتصادية في سوريا وواحداً من أكثر الرجال نفوذاً في المنطقة. قدرت ثروته الشخصية في عام 2008 بنحو 6 مليارات دولار أمريكي، وكان المالك الرئيسي لشركة الهاتف المحمول “سيريتل”، إضافة إلى استثمارات واسعة شملت النفط والغاز، والتشييد، والخدمات المصرفية، وشركات الطيران والتجزئة.
بدأ مخلوف مسيرته في عالم المال والأعمال مبكراً، مستفيداً من نفوذ والده محمد مخلوف، حيث عمل في تهريب المواد الغذائية والأدوات الكهربائية من لبنان وتركيا خلال فترة الحظر التجاري على سوريا في ثمانينيات القرن الماضي. وسرعان ما توسعت أعماله لتشمل تجارة التبغ، والأسواق الحرة، ودخل في شراكات مع شركات عالمية، حيث لعب دور “وكيل الأعمال” لآل الأسد.
ومع تولي بشار الأسد السلطة عام 2000، ازداد نفوذ مخلوف بشكل كبير، حيث استفاد من سياسة الانفتاح الاقتصادي، وأصبح المستفيد الأكبر من الأسواق السورية. لكن العلاقة بين الرجلين تدهورت لاحقاً، حيث قام بشار الأسد وزوجته أسماء بسلب مخلوف كل “مصالحه الاقتصادية العظمى”، التي بناها بسبب قرابته من الأسد ونفوذه في النخبة الحاكمة.
مواجهة مع النظام وتهم الفساد
في فبراير 2008، اتهمت وزارة الخزانة الأمريكية مخلوف بالفساد والتلاعب بالنظام القضائي السوري واستخدام أجهزة الاستخبارات لترهيب منافسيه في الأعمال. وفي مايو 2011، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات عليه بتهمة تمويل النظام والسماح بالعنف ضد المتظاهرين خلال بداية الثورة السورية.
كان مخلوف يُنظر إليه من قبل المعارضة السورية كرمز للفساد في البلاد، وقد ارتبط اعتقال رياض سيف، أحد أبرز المعارضين، بانتقاده لمخلوف والطريقة التي منحت بها تراخيص الهاتف المحمول في سوريا.
إعلان “إقليم الساحل السوري”: خلفيات وتداعيات
في 27 أبريل 2025، نشر حساب على فيسبوك منسوب لرامي مخلوف، تصريحات مثيرة أعلن فيها عن تشكيل قوات نخبة بالتعاون مع القائد السابق للقوات الخاصة سهيل الحسن (المعروف بـ”النمر”). وزعم مخلوف أنه جهّز 150 ألف مقاتل لحماية العلويين في “إقليم الساحل السوري”، مناشداً روسيا بشمل الإقليم برعايتها.
كشف مخلوف في منشوره أنه شكّل 15 فرقة من القوات الخاصة في “إقليم الساحل السوري”، قوامها 150 ألف مقاتل، إضافة إلى قوات احتياطية تقارب هذا العدد. وأوضح أنه تم أيضاً تهيئة لجان شعبية يبلغ تعدادها نحو مليون شخص، في خطوة وصفها بضمان الكرامة والسلام لأهالي الإقليم. كما أكد أن علم الإقليم سيكون باللونين الأحمر والأبيض والأسود، وهو علم سوريا السابق في عهد بشار الأسد.
خلفية الإعلان: أحداث دموية في الساحل السوري
يبدو أن إعلان مخلوف جاء كرد فعل على أحداث دموية شهدتها منطقة الساحل السوري مؤخراً. فقد قال مخلوف في منشوره: “مشاهد مجزرة الساحل لم تفارقنا حتى يومنا هذا، وما زالت جثث شهداء المذبحة تتوافد على شواطئ البحار هنا وهناك، مشوهةَ الوجه، مقطوعةَ الرأس”.
وكان مخلوف قد اتهم في مارس 2025 ضباط الفرقة الرابعة التابعة لنظام الأسد المخلوع بالمسؤولية عن الاضطرابات الأمنية الأخيرة في محافظتي طرطوس واللاذقية، حيث قال إن هناك “مشاهد مرعبة ومجازر مروعة” راح ضحيتها آلاف الأشخاص.
وسلّط مخلوف الضوء على ما وصفها بجرائم ذبح بدم بارد وقتل واغتصاب واعتداء على الأطفال والنساء والرجال في الساحل السوري، مشيراً إلى تنبؤاته السابقة بحصول “معجزة السوريين” في إشارة لسقوط نظام بشار الأسد.
أبعاد طائفية ودعوة لروسيا
يحمل إعلان مخلوف أبعاداً طائفية واضحة، حيث يتحدث عن حماية العلويين في الساحل السوري، المعقل التقليدي للطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد ومخلوف. ويبدو أن فشل حكومة دمشق الجديدة برئاسة أحمد الشرع في حماية سكان الساحل قد دفع مخلوف لهذا الإعلان.
بالإضافة إلى ذلك، وجه مخلوف في بيانه طلباً لروسيا لحماية “إقليم الساحل”، ما يتقاطع مع تقارير عن تحركات روسية في المنطقة ووعود لسكان الساحل بالحماية. وتشير بعض التقارير إلى تحليق طيران روسي بشكل دوري في منطقة الساحل، وإسقاطه لمسيرات قيل إنها تابعة لقوات الأمن العام الجديدة.
مستقبل “إقليم الساحل السوري” والتحديات القادمة
يطرح إعلان مخلوف عن “إقليم الساحل السوري” تساؤلات مهمة حول مستقبل الدولة السورية ووحدة أراضيها. فهل يمثل هذا الإعلان بداية فعلية لتقسيم سوريا؟ وما هو موقف الحكومة السورية الانتقالية من هذا التطور؟ وهل ستتدخل روسيا لدعم هذا الإقليم؟
يبدو أن مخلوف يحاول استغلال مشاعر الطائفة العلوية والفقراء في الساحل السوري، حيث كانت “جمعية البستان الخيرية” التي أسسها تقدم مساعدات مالية للفقراء، مما أكسبه دعماً شعبياً في المنطقة. لكن من غير الواضح مدى قدرته على تحشيد 150 ألف مقاتل كما يزعم، وما هو مصدر تمويل وتسليح هذه القوات.
كما أن موقف روسيا سيكون حاسماً في تحديد مستقبل أي كيان سياسي منفصل في الساحل السوري. فهل ستقدم موسكو الدعم العسكري والسياسي لمثل هذا المشروع؟ وما هي مصلحتها في ذلك؟
سوريا على مفترق طرق جديد
يمثل إعلان رامي مخلوف عن “إقليم الساحل السوري” تطوراً خطيراً في مسار الأزمة السورية، ويشير إلى احتمال دخول البلاد في مرحلة جديدة من الصراع والتفكك. ورغم أن مخلوف يقدم نفسه كحامٍ للسكان في منطقة الساحل، فإن خلفيته المثيرة للجدل والمرتبطة بالفساد والنظام السابق تجعل من الصعب التنبؤ بمدى قدرته على كسب التأييد الشعبي والدولي.
ويبقى مستقبل “إقليم الساحل السوري” رهيناً للتطورات السياسية والأمنية في سوريا، ومدى قدرة مخلوف على توظيف الدعم الشعبي والتعاون مع القوى المحلية والإقليمية لتحقيق أهدافه. كما أن موقف الحكومة السورية الانتقالية والمجتمع الدولي من هذا التطور سيكون حاسماً في تحديد مسار الأحداث في الأيام والأسابيع القادمة.










