في بداية ولايته الثانية في يناير 2025، استهل الرئيس دونالد ترامب فصلاً جديداً من رئاسته المثيرة للجدل، متعهداً بأن تكون هذه المرحلة “ناجحة للغاية”. إلا أن الواقع الاقتصادي الأمريكي والعالمي لم يشارك الرئيس تفاؤله، حيث تكشف الوقائع عن موجة من الاضطرابات الاقتصادية، والتدهور المؤسسي، والقرارات التي اتسمت بالنزعة الشعبوية والمصالح الضيقة، تحت شعار “أمريكا أولاً”.
رضا شعبي منخفض… وغطرسة سياسية مرتفعة
على الرغم من تأكيد ترامب بأن استخدامه للسلطة يسير وفق ما خطط له، فإن استطلاعات الرأي أظهرت تراجعاً حاداً في شعبيته، خاصة على الصعيد الاقتصادي. لم يمنح أكثر من 42% من الأمريكيين رضاهم عن أدائه، ما يكشف اتساع الفجوة بين ما يروج له ترامب من “نجاحات”، وما يعيشه المواطن الأمريكي من قلق اقتصادي متزايد.
سياسات التجارة… من “أمريكا أولاً” إلى “العالم على حافة الانفجار”
أبرز ما ميّز المئة يوم الأولى من رئاسة ترامب الثانية هو استهدافه العنيف للنظام التجاري العالمي، حيث فرض تعريفات جمركية واسعة على دول مثل الصين وكندا والمكسيك. هذه السياسات لم تكن مجرد إجراءات اقتصادية، بل زلازل مدوية ضربت أسس التعاون الاقتصادي الدولي، وأثارت حرباً تجارية مفتوحة، دفعت بالاقتصاد العالمي إلى حالة من الترقب الحذر والركود المحتمل.
أسواق مالية مضطربة… وثقة مستثمَرين تتبخر
انعكست هذه السياسات سلباً على الأسواق المالية، حيث شهد مؤشر داو جونز تقلبات عنيفة، ما بين صعود وهمي وهبوط مرعب، في حين خسر مؤشر ستاندرد آند بورز 500 ما يقارب الدخول في سوق هابطة. تريليونات الدولارات تبخرت من البورصات، بينما انتشرت حالة من الذعر بين المستثمرين المحليين والدوليين على حد سواء.
الدولار يترنّح… وسندات الخزانة في مهب الريح
تعرض الدولار الأمريكي لهزة قوية، تراجع فيها إلى أدنى مستوياته منذ أربع سنوات، نتيجة سياسات ترامب الحمائية ومخاوف المستثمرين من تصعيد التوترات التجارية. وفي مشهد أكثر قتامة، سُجلت واحدة من أسوأ موجات بيع سندات الخزانة الأمريكية منذ عقود، ما يشير إلى تآكل الثقة في الركائز الأساسية للنظام المالي الأمريكي.
نمو هش وتضخم مقلق
وفي ظل هذه الفوضى، خفّض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكي، محذراً من احتمالات ركود تضخمي، يتسم بارتفاع الأسعار وتباطؤ النمو، وهي وصفة كابوسية لأي اقتصاد. ومع تصاعد القلق بشأن نقص السلع وارتفاع تكاليف المعيشة، بات الأمريكيون يواجهون مستقبلاً اقتصادياً قاتماً، صنعته قرارات سياسية متسرعة لا تعترف بالعواقب.
نهاية وهم الازدهار… وبداية اختبار البقاء
يبدو أن ترامب، في سعيه لفرض رؤيته الاقتصادية أحادية الجانب، نجح في زعزعة النظام الاقتصادي العالمي أكثر من إصلاحه. المئة يوم الأولى لم تكن إعلان بداية لنهضة اقتصادية كما وعد، بل كانت جرس إنذار لنظام عالمي مهدد بالتفكك تحت وقع القرارات الانعزالية.
وفي المحصلة، قد لا ينهار الاقتصاد الأمريكي بالكامل خلال ولاية ترامب الثانية، لكنه بالتأكيد سيفقد الكثير من صورته كقائد اقتصادي للعالم، ليبقى السؤال: هل يمكن للعالم أن يتحمل أربع سنوات أخرى من “العبث المالي” الأمريكي؟











