نتنياهو يكشف معلومات “سرية للغاية” حول عملية البيجر ضد حزب الله ومسؤولون أمنيون إسرائيليون يبدون استياءهم
فوجئ مسؤولون أمنيون إسرائيليون بقيام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالكشف عن تفاصيل استخباراتية حساسة تتعلق بعملية تفجير أجهزة البيجر التي استهدفت عناصر حزب الله اللبناني في سبتمبر من العام الماضي. وأثارت هذه التصريحات جدلاً واسعاً داخل أوساط الأمن الإسرائيلية، التي اعتبرت أن هذه المعلومات “سرية للغاية” وقد تؤثر على أمن الدولة ومصادر معلوماتها الاستخباراتية.
تفاصيل الكشف الاستخباراتي الذي أثار الجدل
خلال خطاب ألقاه نتنياهو أمام مؤتمر رابطة الأخبار اليهودية (جويش نيوز سينديكيت – JNS) في القدس، كشف عن معلومات استخباراتية حساسة تتعلق بعملية البيجر التي هزت حزب الله العام الماضي. وقال نتنياهو: “في الأسبوع الثالث من أيلول/سبتمبر الماضي، علمنا أن حزب الله أرسل ثلاثة أجهزة بيجر إلى إيران من أجل إجراء فحص تقني. وقبل ذلك، فجرنا جهازا مشابها مخصصا للفحص التقني، أوشكوا على إحضاره، وتخلصنا من الشاب الذي كان يتولى تشغيله”.
وأضاف نتنياهو في تصريحاته: “سألت كم من الوقت سيستغرقهم لمعرفة إذا كانت مفخخة؟ فقيل لي: يوم واحد فقط.. عندها أمرت بالتصرف الفوري”. وتعتبر هذه المرة الأولى التي يعترف فيها نتنياهو رسمياً بمسؤولية إسرائيل عن عملية تفجير أجهزة البيجر، حيث أشارت تقارير إعلامية سابقة إلى أنه قال في اجتماع للحكومة: “عملية البيجر والقضاء على نصرالله تمت رغم معارضة كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية والمستوى السياسي المسؤول عنها”.
ردود الفعل داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية
نقلت القناة 12 الإسرائيلية عن مصادر أمنية مطلعة على تفاصيل العملية الاستخباراتية تأكيدها أن نتنياهو كشف عن معلومات اعتبرت “سرية للغاية” وأن قلائل فقط كانوا مطلعين عليها، وأن نتنياهو “لم يكشف فقط عن أن إسرائيل علمت بإرسال أجهزة البيجر للفحص في إيران، وإنما تمكنت أيضا من إحباط نقل جهاز لكشف مواد متفجرة وتصفية مشغله”.
وأفادت القناة بأن الرقابة العسكرية الإسرائيلية رفضت نشر معلومات كهذه عدة مرات في الماضي، وبررت ذلك بأن من شأن كشفها المس بأمن الدولة وكشف مصادر معلومات ووسائل استخباراتية. وقال مصدر أمني إن “هذا السر ليس ملكا شخصيا لنتنياهو. ورغم أن لدى رئيس الحكومة صلاحية بالنشر، لكن كشف معلومات حساسة ينبغي تنفيذه بالتشاور مع أجهزة الاستخبارات”.
تفاصيل عملية البيجر الاستخباراتية
تعد عملية تفجير أجهزة البيجر واحدة من أكثر العمليات الاستخباراتية تعقيداً التي نفذتها إسرائيل في السنوات الأخيرة. وقد كشف عملاء إسرائيليون سابقون لبرنامج “60 دقيقة” على قناة سي بي إس الأمريكية تفاصيل هذه العملية، موضحين أن المرحلة الأولى منها بدأت قبل 10 سنوات باستخدام أجهزة اتصال لاسلكية تحتوي على متفجرات مخبأة.
أما المرحلة الثانية من الخطة، والتي جرى فيها استخدام أجهزة “البيجر” المفخخة، فقد بدأت في عام 2022 بعد أن علم جهاز الموساد الإسرائيلي أن حزب الله كان يشتري أجهزة البيجر من شركة مقرها تايوان. وأوضح أحد العملاء السابقين أنه “كان لابد من جعل أجهزة البيجر أكبر قليلا لتناسب كمية المتفجرات المخفية بداخلها”.
من الناحية التقنية، كان تصميم المتفجرات داخل البيجر معقداً للغاية، حيث تم وضع طبقة رقيقة مربعة تحتوي على ستة غرامات من مادة البلاستيك المتفجرة (PETN) محشورة بين خليتي بطارية مستطيلتين. وتميز هذا التصميم بعدم اعتماده على مفجر مصغر قياسي، مما جعله غير قابل للكشف بواسطة أجهزة الأشعة السينية.
الخلفية السياسية للكشف وتداعياته
يأتي كشف نتنياهو عن هذه المعلومات في سياق تصاعد التوتر السياسي داخل إسرائيل، خاصة بعد إقالة وزير الدفاع يوآف غالانت. وكان نتنياهو قد أشار ضمناً في تصريحاته إلى أن عملية البيجر واغتيال زعيم حزب الله حسن نصرالله تمت رغم معارضة كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية والمستوى السياسي.
تخشى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية من أن تؤدي مثل هذه الكشوفات إلى المساس بالقدرات العملياتية والاستخباراتية لإسرائيل. وتزامنت هذه التطورات مع تحقيقات تجريها السلطات الإسرائيلية في قضية تسريب معلومات استخباراتية سرية من مكتب نتنياهو، حيث تم اعتقال عدد من المشتبه بهم.
عملية البيجر: الأثر والنتائج
أسفرت عملية تفجير أجهزة البيجر وأجهزة الاتصال اللاسلكي التي نفذتها إسرائيل في سبتمبر من العام الماضي عن مقتل ما لا يقل عن 37 شخصاً، بينهم بعض الأطفال، وإصابة ما يقرب من 3000 شخص، العديد منهم من المدنيين، وفقاً للسلطات الصحية اللبنانية. وأشارت تقارير إلى أن الهجمات أخرجت نحو 1500 مقاتل من حزب الله من الخدمة بسبب إصاباتهم، حيث فقد الكثير منهم بصرهم أو أيديهم.
تبع هذه العملية سلسلة من الغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت معظم هيكل قيادة حزب الله، بما في ذلك اغتيال أمينه العام حسن نصرالله، فضلاً عن عملية برية محدودة في جنوب لبنان لإزالة التهديدات المباشرة التي يشكلها الحزب على المجتمعات الحدودية الشمالية لإسرائيل.










