في واقعة أثارت غضبًا واسعًا بين المصريين، تحوّل اعتداء مسؤول مالي على الطفل “ياسين” (6 سنوات) داخل إحدى مدارس الكنيسة بدمنهور إلى قضية رأي عام، كشفت عن خلل عميق في منظومة التعليم الكنسي، التي تدار بعيدًا عن أعين الرقابة الحكومية، وسط اتهامات بتحويلها إلى “ماكينات لجني الأرباح” تحت غطاء ديني.
شبكة تعليمية بمليارات الجنيهات.. وأسئلة بلا إجابات
تمتلك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية شبكة تعليمية ضخمة، تضم ما بين 500 إلى 1000 مدرسة في مختلف أنحاء الجمهورية، معظمها مدارس لغات خاصة تفرض مصروفات سنوية مرتفعة تصل إلى عشرات الآلاف من الجنيهات، مما يجعلها في مصاف المؤسسات الربحية الكبرى.
وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن إيرادات هذه المدارس قد تصل إلى نحو 10 مليارات جنيه سنويًا، خاصة مع التوسع الكبير في إنشاء فروع جديدة، آخرها جامعة “هولي صوفيا” التي أطلقتها الكنيسة مؤخرًا، بالإضافة إلى مدارس “تيرانس” و”الكرمة” التي تتصدر قائمة المدارس ذات المصروفات المرتفعة.
قضية “ياسين”.. الجريمة التي هزت عرش الكنيسة
لكن هذه الإمبراطورية التعليمية تعرضت لزلزال عنيف بعد واقعة الاعتداء على الطفل “ياسين”، والتي كشفت عن خلل كبير في النظام الإداري والمالي للمدارس التابعة للكنيسة.
فالمتهم في الواقعة، والذي يبلغ من العمر 79 عامًا، لم يكن موظفًا بالمدرسة، بل تابعًا لمطرانية البحيرة، مما أثار تساؤلات حول طبيعة العلاقة بين الإدارات التعليمية والهيئات الكنسية، ومدى تداخل الصلاحيات بينهما، في ظل غياب واضح للرقابة.
غياب الشفافية.. وأموال طائلة في منطقة رمادية
على الرغم من أن الكنيسة تروج لدورها الخدمي في مجال التعليم، عبر منح إعفاءات جزئية لغير القادرين، والتعاون مع وزارة التربية والتعليم في وضع مناهج التربية الدينية، إلا أن الواقع يكشف عن اختلالات كبيرة.
فقد تحولت بعض المدارس إلى مشاريع تجارية صرفة، تدار بمنطق الربح المادي، مع إهمال واضح للبنية التحتية والخدمات المقدمة للطلاب، في ظل غياب تام للشفافية المالية، حيث لا توجد أي آليات واضحة لمراقبة حسابات هذه المدارس أو تتبع أموالها.
عقارات الكنيسة.. إمبراطورية مالية بلا رقابة
ولا تقتصر استثمارات الكنيسة على مجال التعليم فقط، بل تمتد إلى امتلاك عقارات ومستشفيات تدر ملايين الجنيهات سنويًا، دون أي إفصاح عن كيفية إدارة هذه الأموال أو توزيعها على المشاريع الخدمية.
وحسب مصادر حقوقية، فإن بعض المدارس لا تقدم إقرارات مالية واضحة حتى للجهات الكنسية العليا، مما يغذي شكوكًا حول وجود حسابات شخصية أو عمليات فساد مالي.
مطالبات بتدخل الدولة.. قبل فوات الأوان
في أعقاب هذه الأزمة، خرجت مطالبات حقوقية بضرورة فرض رقابة حكومية مشددة على المدارس التابعة للكنيسة، وإلزامها بالإفصاح عن موازناتها المالية، وفصل الإدارات التعليمية عن الهياكل الكنسية، لمنع تضارب المصالح.
كما طالبت بعض الأصوات بتشكيل لجان تفتيش مشتركة بين الكنيسة ووزارة التعليم، للإشراف على الجانب المالي والإداري لهذه المدارس، وضمان حماية حقوق الطلاب.
سؤال ينتظر الإجابة.. أين تذهب مليارات الجنيهات؟
وسط هذه التطورات، يبقى السؤال الأكبر: هل ستتحول الكنيسة إلى نموذج للشفافية والمحاسبة، أم ستظل مدارسها “صناديق سوداء” تدار بعيدًا عن أعين المجتمع والرقابة الحكومية؟
فالقضية لم تعد مجرد اعتداء على طفل بريء، بل تحولت إلى اختبار حقيقي لمصداقية واحدة من أكبر المؤسسات الدينية والتعليمية في مصر، في ظل غياب شبه كامل للمحاسبة والشفافية.











