القاهرة – توافد المئات من أعضاء الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين المصرية اليوم الجمعة، للإدلاء بأصواتهم في واحدة من أكثر جولات انتخابات النقابة سخونة في السنوات الأخيرة، حيث يتنافس النقيب الحالي خالد البلشي، ممثل التيار المستقل والمدافع عن الحريات، مع النقيب الأسبق عبد المحسن سلامة، المدعوم من دوائر رسمية ومحسوب على التيار التقليدي في النقابة.
تجري الانتخابات في ظل أجواء استقطاب واضحة، وسط تحديات مهنية واقتصادية جسيمة تواجه الصحفيين المصريين، من بينها تراجع أوضاع الحريات، تدني الرواتب، وتقلص فرص التعيين في المؤسسات القومية والخاصة، إلى جانب هيمنة رأس المال والإعلانات على السياسات التحريرية.
البلشي.. صوت النقابة المستقلة
خالد البلشي، النقيب الحالي، يخوض الانتخابات ساعيًا لولاية جديدة، مستندًا إلى رصيده في دعم قضايا الصحفيين، ووقوفه ضد محاولات الهيمنة على النقابة. خلال ولايته، تبنى مواقف صريحة مناهضة لحبس الصحفيين، وطالب بتعديل قوانين الحبس الاحتياطي، وسعى لتوفير دعم قانوني واجتماعي لأعضاء النقابة.
يرى أنصاره أن استمراره على رأس النقابة يمثل ضمانة لصوت مستقل في مواجهة محاولات التقييد، بينما يتهمه خصومه بتسييس النقابة والانشغال بالملفات السياسية على حساب القضايا المهنية.
سلامة.. عودة “التوافق”؟
في المقابل، يحاول عبد المحسن سلامة استعادة موقعه كنقيب، عبر خطاب يركز على “الاستقرار”، و”التوافق” مع الدولة، و”تحسين الخدمات”، مستعرضًا خبرته السابقة وعلاقاته الواسعة بالمؤسسات الرسمية. ويقول مؤيدوه إن النقابة بحاجة إلى “قيادة واقعية” تُجيد التعامل مع الأجهزة وتحسين أوضاع الصحفيين من الداخل.
لكن منتقديه يعتبرونه مرشح الدولة، وامتدادًا لفكر يحاول احتواء النقابة وإفراغها من مضمونها المهني والنقابي الحقيقي.
قضايا ملحة على الطاولة
الانتخابات الحالية ليست فقط صراع أسماء، بل تدور حول ملفات بالغة الحساسية:
- ملف الحريات الصحفية وتجاوزات الأجهزة الأمنية
- الوضع المادي المتردي لأغلب الصحفيين
- ضعف آليات التعيين والترقي الوظيفي
- مستقبل النقابات المستقلة
- علاقة النقابة بالمجلس الأعلى للإعلام ووزارة الإعلام
إقبال لافت ومشاركة نشطة
منذ ساعات الصباح الأولى، شهد مقر النقابة بوسط القاهرة ازدحامًا ملحوظًا، وسط إجراءات تنظيمية مشددة، بحضور لجنة قضائية للإشراف على التصويت، الذي يستمر حتى الساعة السابعة مساءً. وفي حال لم تُحسم النتيجة من الجولة الأولى، تُعقد جولة إعادة غدًا السبت.
المرشحون وعدد من أعضاء النقابة تحدثوا للإعلاميين في محيط النقابة، مؤكدين أهمية هذه الانتخابات، ودورها في تحديد بوصلة العمل النقابي للسنوات المقبلة.
تصريحات من قلب الحدث
يقول الصحفي أحمد حسين، من إحدى الصحف المستقلة: “صوتي لخالد البلشي، لأننا بحاجة لنقابة تقف معنا عندما يُعتقل الزملاء أو تُصادر الصحف. هذه ليست معركة انتخابية، بل معركة على مستقبل المهنة”.
أما الصحفية فاطمة عبد الله من صحيفة قومية فتوضح: “قد أختلف مع البلشي سياسيًا، لكن لا يمكن إنكار وقوفه بجانب الصحفيين، حتى من خارج تياره. نحن بحاجة لمن يدافع عنا لا من يسوّق للسلطة”.
في المقابل، يشير الصحفي مصطفى جاد من مؤسسة كبرى إلى أنه يدعم عبد المحسن سلامة لأنه “يملك شبكة علاقات يمكن أن تحسّن أوضاع النقابة فعليًا، بدلًا من الشعارات التي لم تغيّر شيئًا”.
هل تتجه النقابة للاستقلال أم للتهدئة؟
مع نهاية يوم التصويت، تبقى الأنظار معلقة بنتيجة الصناديق. فهل تُجدد الجمعية العمومية الثقة في البلشي وتمنح التيار المستقل دفعة جديدة، أم تعود إلى عهد “السلامة”، في محاولة لمهادنة الواقع السياسي؟
ما هو مؤكد أن هذه الانتخابات تمثل محطة مفصلية في تاريخ نقابة الصحفيين، بين تيارين متناقضين: أحدهما يسعى لنقابة قوية ومستقلة تدافع عن حقوق أعضائها، وآخر يراها جزءًا من منظومة رسمية أوسع.
النتيجة، كما يرى مراقبون، ستعكس ليس فقط توجه الصحفيين، بل ربما توجه الدولة تجاه الإعلام ذاته في المرحلة المقبلة.
لا تنتهي معركة انتخابات نقابة الصحفيين عند إعلان النتائج، بل تبدأ معها معارك أخرى أكثر عمقًا وتعقيدًا. ففوز خالد البلشي لا يعفيه من مواجهة التحديات الكبرى التي تنتظر النقابة، وعلى رأسها استعادة ثقة الصحفيين في كيانهم النقابي، وتحسين الأوضاع الاقتصادية المتدهورة لأعضائها، والدفاع عن حرية الصحافة في مناخ سياسي مشحون بالقيود.
كما تبرز الحاجة إلى فتح ملف الصحف الحزبية والمتوقفة، وحل أزمة التعيينات، ومجابهة تغوّل رأس المال على استقلالية المهنة.
وبينما يرى أنصاره في هذا الفوز انتصارًا للكرامة المهنية، فإن الطريق أمام البلشي لا يزال طويلًا ومحفوفًا بالتحديات التي تتطلب أكثر من مجرد الشعارات: تحتاج إلى إرادة صلبة، وحوار واسع، وتحالف ذكي يعيد للنقابة دورها الحقيقي كمظلة لكل الصحفيين، لا فقط لمن صوّتوا له.










