تشهد الساحة الاقتصادية في مصر تحركات مكثفة من قبل الشركات الأجنبية في قطاع الطاقة، في مشهد يعكس سياسة النظام القائم على فتح الباب على مصراعيه أمام القوى الدولية لاستغلال الثروات الطبيعية، بينما يغيب أي دور حقيقي للدولة في حماية مواردها أو ضمان عوائد عادلة للشعب.
فقد أعلنت شركة “إيني” الإيطالية عن عزمها استثمار أكثر من مليار دولار في حقل “ظهر” الغازي، وهو الحقل الذي تسيطر عليه الشركة الأجنبية بالكامل تقريباً، رغم أنه يعد أحد أهم مصادر الغاز في البلاد. وفي سياق متصل، تقدمت ثلاث شركات عالمية أخرى بعروض للتنقيب عن الغاز في مناطق جديدة، مما يؤكد أن مصر باتت ساحة مفتوحة للتنافس الأجنبي على ثرواتها.
الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فشركة “إكسون موبيل” الأمريكية تسعى لبيع اكتشافها الغازي “نفرتاري-1″، في صفقة جديدة تُضاف إلى سلسلة من الاتفاقيات المشبوهة التي تمنح الشركات الأجنبية حقوقاً استغلالية طويلة الأمد، بينما تحصل مصر على نسب ضئيلة من العائد، لا تتناسب مع حجم الثروة المستنزفة.
سياسة الانهزام الاقتصادي
ما يحدث في قطاع الطاقة ليس سوى جزء من سياسة منهجية يتبعها النظام، تقوم على التخلي عن السيادة على الموارد الطبيعية لصالح تحالفات غير متوازنة مع الشركات الأجنبية. فبدلاً من بناء استراتيجية وطنية تعزز الصناعة المحلية وتوفر فرص عمل حقيقية، يتم تفريط الثروات بأسعار زهيدة، تحت ذريعة “جذب الاستثمار الأجنبي”.
والنتيجة؟ ارتفاع الديون الخارجية، وتراجع الاحتياطي النقدي، واستمرار أزمات الكهرباء والوقود رغم أن مصر تُعد من أكبر منتجي الغاز في المنطقة. فكيف يُفسر أن دولة تمتلك مثل هذه الثروات تظل عاجزة عن تحقيق اكتفاء ذاتي أو تخفيض أسعار الطاقة على المواطنين؟
غياب الشفافية والمساءلة
المشكلة لا تقتصر على هيمنة الشركات الأجنبية، بل تمتد إلى غياب أي رقابة شعبية أو برلمانية حقيقية على هذه الصفقات. فالاتفاقيات تُبرم في غياب تام للشفافية، ودون إتاحة بنودها للرأي العام، مما يثير شكوكاً حول وجود فساد أو عمولات تُمنح للمسؤولين مقابل التوقيع على صفقات مجحفة.
كما أن العائدات التي تحصل عليها الدولة من هذه المشاريع لا تُستخدم في مشاريع تنموية حقيقية، بل يتم تحويلها إلى قنوات غير واضحة، بينما يعاني المواطن من تدهور الخدمات وارتفاع الأسعار.
خيارات محدودة ومستقبل مظلم
في ظل غياب أي بدائل حقيقية، يبدو أن النظام مصرّ على الاستمرار في نفس النهج، الذي يحوّل مصر إلى دولة ريعية تعتمد على إيجارات الموارد الطبيعية، دون بناء قاعدة إنتاجية حقيقية. ومع تزايد النفوذ الأجنبي في القطاعات الاستراتيجية، يصبح الخروج من هذه الدائرة أكثر صعوبة، خاصة في ظل انعدام أي خطط لتصنيع الغاز أو تطوير صناعات تعتمد عليه.
السؤال الذي يفرض نفسه: إلى متى ستستمر هذه السياسة التي تستنزف ثروات الأجيال القادمة؟ وهل هناك أي أمل في تغيير هذا المسار، أم أن مصر مقبلة على مرحلة جديدة من التبعية الاقتصادية التي ستجعلها رهينة لقرارات الشركات الأجنبية؟











