نقيب الفلاحين: ارتفاع أسعار التبن لا تبشر بالخير.. وأطالب بوقف تصديره
مخاوف من أزمة علف قد تهدد الثروة الحيوانية وترفع أسعار اللحوم والألبان
حذر نقيب الفلاحين حسين عبد الرحمن من أن الارتفاع غير المسبوق في أسعار التبن يشكل تهديدًا خطيرًا للثروة الحيوانية ويمكن أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار اللحوم والألبان في الأسواق المحلية. في تصريحات خاصة، طالب النقيب بضرورة التدخل الحكومي السريع لوقف تصدير التبن للخارج، مؤكدًا أن الأولوية يجب أن تكون للمزارعين المحليين وحماية الإنتاج الوطني من الحيوانات المنتجة للحوم والألبان والتي تعتمد بشكل أساسي على التبن كعلف رئيسي.
تضاعف أسعار التبن وتأثيره على المزارعين
شهدت أسعار التبن قفزات متتالية خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث وصل سعر طن التبن إلى مستويات قياسية تتراوح بين 2500 إلى 3000 جنيه بعد أن كان سعره لا يتجاوز 1200 جنيه في الموسم الماضي. ويعزو المختصون هذا الارتفاع إلى عدة عوامل أبرزها زيادة معدلات التصدير وانخفاض المساحات المزروعة من المحاصيل المنتجة للتبن مثل القمح والشعير.
وقال نقيب الفلاحين: “نشهد حاليًا وضعًا غير مسبوق في سوق التبن، الذي يعد علفًا أساسيًا للماشية والأغنام والجاموس، فالأسعار تضاعفت بصورة تفوق قدرة صغار المربين على التحمل، مما سيؤدي حتمًا إلى بيع جزء من ثروتهم الحيوانية أو التوقف عن تربية المواشي في الأصل”.
وأضاف: “الأخطر من ذلك أن ارتفاع أسعار التبن سينعكس مباشرة على أسعار اللحوم الحمراء والألبان ومشتقاتها، وهو ما يعني مزيدًا من الأعباء على المستهلك النهائي الذي يعاني بالفعل من موجة غلاء مستمرة”.
الأسباب الحقيقية وراء أزمة التبن
تشير التقارير الميدانية إلى أن عدة عوامل متداخلة أدت إلى تفاقم أزمة التبن، منها:
- التصدير غير المنضبط: حيث يتم تصدير كميات كبيرة من التبن للدول المجاورة بأسعار مجزية للتجار دون مراعاة احتياجات السوق المحلية.
- تراجع المساحات المزروعة: انخفضت المساحات المزروعة من المحاصيل المنتجة للتبن بنسبة تتراوح بين 15% إلى 20% خلال الموسم الحالي نتيجة لارتفاع تكاليف الزراعة وتحول بعض المزارعين لمحاصيل أخرى أكثر ربحية.
- تغيرات مناخية: أثرت التغيرات المناخية وتذبذب الأمطار سلبًا على إنتاجية بعض المناطق من التبن، مما قلل من الكميات المتاحة.
- احتكار بعض التجار: استغل بعض التجار الوضع الحالي لتخزين كميات كبيرة من التبن بهدف رفع الأسعار وتحقيق أرباح مضاعفة.
وفي هذا السياق، قال الدكتور محمد عبد الرحمن، خبير الاقتصاد الزراعي: “المشكلة متشعبة وتحتاج إلى معالجة شاملة، فمن ناحية نحتاج إلى تنظيم عمليات التصدير بما يضمن توفير احتياجات السوق المحلية أولًا، ومن ناحية أخرى يجب تقديم حوافز للمزارعين لزيادة المساحات المزروعة من المحاصيل المنتجة للتبن”.
تأثير الأزمة على الثروة الحيوانية والأمن الغذائي
تمثل أزمة ارتفاع أسعار التبن تهديدًا مباشرًا للثروة الحيوانية التي تعد ركيزة أساسية للأمن الغذائي. وحسب إحصائيات رسمية، فإن قطاع الثروة الحيوانية يساهم بنحو 35% من إجمالي الناتج الزراعي، ويعتمد عليه أكثر من 5 ملايين أسرة كمصدر أساسي للدخل.
وأوضح الدكتور أحمد سمير، أستاذ الإنتاج الحيواني بكلية الزراعة: “التبن يشكل حوالي 60% من العليقة الأساسية للأبقار والجاموس والأغنام، وارتفاع أسعاره بهذا الشكل يؤثر سلبًا على تكلفة الإنتاج، مما يدفع المربين إما لتقليل كميات التبن المقدمة للحيوانات أو اللجوء لبدائل أقل جودة، وفي كلتا الحالتين ستتراجع إنتاجية الحيوانات من اللحوم والألبان”.
وأضاف: “التأثير لن يقتصر على المدى القصير فقط، بل سيمتد لسنوات قادمة إذا اضطر صغار المربين لبيع ماشيتهم، فإعادة بناء الثروة الحيوانية تحتاج لوقت طويل واستثمارات كبيرة”.
مطالب بالتدخل الحكومي العاجل
في ظل تصاعد الأزمة، طالب نقيب الفلاحين الحكومة بالتدخل العاجل من خلال عدة إجراءات:
- وقف تصدير التبن فورًا: حتى يتم تأمين احتياجات السوق المحلية بأسعار مناسبة للمربين.
- مكافحة الاحتكار: تشديد الرقابة على مخازن التبن ومعاقبة المحتكرين الذين يتلاعبون بالأسعار.
- دعم مستلزمات الإنتاج: تقديم دعم للمزارعين لتشجيعهم على زراعة المحاصيل المنتجة للتبن.
- توفير بدائل علفية: العمل على توفير بدائل علفية بأسعار مناسبة مثل سيلاج الذرة وتبن الأرز المعامل.
وقال النقيب: “نحن لا نطالب بإجراءات استثنائية، بل نطالب بحماية منظومة الإنتاج الحيواني التي تمثل أحد أهم دعائم الأمن الغذائي، ووقف تصدير التبن في الوقت الحالي ليس قرارًا ضد التجارة الخارجية، بل هو إجراء مؤقت لحماية مصالح المزارعين والمستهلكين على حد سواء”.
ردود فعل وزارة الزراعة والجهات المعنية
من جانبها، أكدت مصادر مسؤولة بوزارة الزراعة أن الوزارة تدرس حاليًا الأوضاع في سوق التبن وتجري مشاورات مع مختلف الأطراف المعنية للوصول إلى حلول عاجلة للأزمة.
وقال المهندس كمال الدين حسين، وكيل وزارة الزراعة لشؤون الثروة الحيوانية: “نتفهم مخاوف المربين ونقيب الفلاحين، ونحن بصدد اتخاذ حزمة من الإجراءات لضبط الأسعار وضمان توفير الاحتياجات المحلية من التبن، وسيتم الإعلان عن هذه الإجراءات قريبًا بعد استكمال المشاورات الفنية والقانونية”.
وأضاف: “الوزارة تعكف أيضًا على خطة متكاملة لزيادة إنتاج الأعلاف المختلفة وتشجيع استخدام البدائل العلفية ذات القيمة الغذائية العالية لتقليل الاعتماد على التبن”.
توقعات وآثار مستقبلية
يتوقع الخبراء أن استمرار أزمة ارتفاع أسعار التبن سيترتب عليها عدة آثار مستقبلية، أبرزها:
- زيادة أسعار اللحوم والألبان: بنسبة قد تصل إلى 20% خلال الأشهر القادمة.
- انخفاض أعداد الثروة الحيوانية: نتيجة اضطرار صغار المربين لبيع جزء من ماشيتهم.
- زيادة الاعتماد على الاستيراد: لسد الفجوة الغذائية من اللحوم ومنتجات الألبان.
- ارتفاع معدلات البطالة في الريف: حيث تمثل تربية المواشي مصدرًا أساسيًا للدخل لملايين الأسر الريفية.
وفي ختام تصريحاته، شدد نقيب الفلاحين على أن “الحل ليس مستحيلًا، لكنه يتطلب تضافر جهود جميع الأطراف المعنية، وأن تكون مصلحة المواطن والأمن الغذائي في مقدمة الأولويات، فالتبن ليس مجرد مخلفات زراعية، بل هو جزء أساسي من منظومة الإنتاج الحيواني التي تؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد الوطني والحياة اليومية للمواطنين”.
يبقى القول إن أزمة ارتفاع أسعار التبن ليست معزولة عن التحديات التي تواجه القطاع الزراعي بشكل عام، وأن معالجتها تتطلب رؤية شاملة تأخذ في الاعتبار مختلف جوانب المنظومة الزراعية والغذائية، بما يضمن تحقيق الأمن الغذائي واستدامة الموارد الزراعية.










