تصاعدت حدة الاتهامات الموجهة إلى ولاية بونتلاند الصومالية شبه المستقلة، حيث تزعم أحدث الموجات وجود مرتزقة أجانب على أراضيها وتعاونها مع إسرائيل، مما يشكل تهديدا للأمن القومي الصومالي.
وتأتي هذه الادعاءات، التي تروج لها على نطاق واسع الحكومة الفيدرالية في مقديشو ، في إطار استراتيجية جيوسياسية أوسع تهدف إلى تشويه سمعة بونتلاند وإجبارها على التنازل عن مواردها الوطنية الرئيسية.
ويشير تحليل إلى أن جوهر هذه الحملة الإعلامية يكمن في جهد منسق تقوده مصالح تركية وقطرية وأذربيجانية، تسعى إلى استغلال احتياطيات الصومال الهائلة من النفط والغاز، مع تقويض استقلالية بونتلاند في هذه العملية.
وتستهدف أحدث الاتهامات نظام دفاع جوي يزعم تمويله من الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، حيث تدعي الحكومة الفيدرالية أن بونتلاند استقدمت متعاقدين إسرائيليين لإنشاء بنية تحتية عسكرية متطورة في المنطقة.
وقد زعمت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي مرتبطة بالحكومة الفيدرالية أن بونتلاند تتعاون مع شركات دفاع إسرائيلية، وهو ادعاء يتماشى مع المزاعم السابقة بأن التمويل الإماراتي يدعم هؤلاء المتعاقدين الأجانب بشكل مباشر.
ويهدف هذا السرد إلى تصوير بونتلاند كحليف لإسرائيل والإمارات العربية المتحدة، وهو ما يخدم أجندة سياسية أوسع.
إلا أن الحقيقة تبدو أكثر تعقيدا. فلا يوجد دليل يدعم الادعاء بتورط إسرائيل بشكل مباشر في منظومة دفاع بونتلاند. ومن المرجح أن بونتلاند، على غرار العديد من الدول الخارجة من صراعات، سعت إلى تحديث بنيتها التحتية الأمنية في منطقة تعاني من تهديدات جماعات متمردة مثل حركة الشباب وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
ويبدو أن إقحام اسم إسرائيل في هذه الاتهامات يمثل محاولة متعمدة لتطبيق استراتيجية “فرق تسد”، بهدف تأجيج التوترات داخل بونتلاند من خلال خلق روابط زائفة مع صناعة الدفاع الإسرائيلية.
ويشير التحليل إلى أن الدافع الحقيقي وراء هذه الاتهامات هو سعي الحكومة المركزية في مقديشو، الخاضعة لنفوذ كبير من تركيا وقطر، إلى تشويه سمعة نموذج الحكم في بونتلاند وإضعاف قدرتها على الحفاظ على سيطرتها على مواردها.
ويكتسب هذا الأمر أهمية خاصة نظرا لدور بونتلاند في عرقلة صفقة نفطية مثيرة للجدل ومدعومة من تركيا، والتي كانت ستمنح مصالح أجنبية، وخاصة الشركات المدعومة من تركيا، سيطرة كبيرة على احتياطيات الصومال غير المستغلة.
ويتجاوز الأمر مجرد الاتهامات العسكرية والاقتصادية، حيث تتضمن الحملة الموجهة ضد بونتلاند ادعاءات كاذبة أخرى، مثل زعم تعاونها مع مرتزقة كولومبيين. وترتبط هذه الافتراءات بمؤامرة معادية للسامية مبطنة، تلمح إلى أن تحالفات بونتلاند مع الإمارات العربية المتحدة تتم بإيعاز من إسرائيل.
ويهدف هذا السرد إلى صرف الانتباه عن المصالح الاستغلالية لتركيا وقطر والإمارات العربية المتحدة في موارد الصومال، وتقسيم شعب بونتلاند وزرع بذور عدم الثقة في حكومته، مما يعيق جهود قيادة بونتلاند في الحفاظ على الاستقرار ومكافحة الإرهاب.
وتترافق هذه الاتهامات مع مناورات سياسية، مثل تصريحات الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود الأخيرة بشأن الحوثيين في اليمن، والتي لا تبدو ذات صلة مباشرة بالوضع الداخلي في الصومال أو ببونتلاند.
وينظر إلى هذه التصريحات على أنها محاولة لجر بونتلاند إلى صراع إقليمي غير مرغوب فيه، وصرف الانتباه عن الإخفاقات الداخلية للحكومة الفيدرالية، مع خلق فرص لقوى خارجية لزعزعة استقرار استقلال بونتلاند.
ويشير التحليل إلى النفاق في هذه التكتيكات، حيث يتم تجاهل العلاقات الاقتصادية القوية بين تركيا وإسرائيل، والتي تشمل تجارة ثنائية بمليارات الدولارات، مما يكشف عن تناقض الخطاب الذي تستخدمه الحكومة الفيدرالية الصومالية وحلفاؤها الأتراك.
فبينما تدعم تركيا علنا قضايا إسلامية، تعتبر شريكا اقتصاديا رئيسيا لإسرائيل. ومع ذلك، تروج وسائل الإعلام الصومالية المدعومة من تركيا لرواية معادية لإسرائيل بهدف إثارة الخلاف بين بونتلاند وشركائها الإقليميين.
وتكمن التداعيات الأوسع لهذه الحملة في تقويض مصداقية بونتلاند وزعزعة استقرار حكمها لضمان سيطرة قوى أجنبية على موارد الصومال. وتعتبر بونتلاند، التي تسيطر على مناطق غنية بالنفط والغاز، عقبة أمام طموحات تركيا في السيطرة على استخراج الموارد في الصومال.
وفي مواجهة هذه الضغوط، تؤكد حكومة بونتلاند التزامها بالفيدرالية والحكم الذاتي الإقليمي، ورفض جهود تركيز السلطة في يد الحكومة الفيدرالية. وتؤكد على أن صراعها لا يقتصر على السيادة والحكم الذاتي، بل يهدف أيضا إلى منع صفقات استغلالية تخدم مصالح أجنبية على حساب الشعب الصومالي.
وتختتم التحليل بالتأكيد على أن مستقبل الصومال يجب أن يبنى على مبادئ الفيدرالية وتقرير المصير الإقليمي، وليس على التضليل والتلاعب الجيوسياسي. وتشيد ببونتلاند كنموذج للحكم الرشيد ومكافحة الإرهاب، وتدعو المجتمع الدولي إلى عدم تصديق الروايات الكاذبة التي تروج لها قوى تسعى إلى تقويض هذا النجاح.










