في مشهد يثير الاستهجان والدهشة في آن واحد، أطلّ رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في وقت يعاني فيه الشعب الفلسطيني من أكبر مذبحة تاريخية على يد الاحتلال الإسرائيلي، لينضم إلى جوقة “خدمات إطفاء” حرائق الاحتلال في القدس، متجاهلاً تمامًا جحيم غزة الذي يلتهم البشر والحجر.
خطاب عباس الذي تزامن مع حرائق القدس جاء ليثير موجة من الغضب، حيث أصبح “رئيس الإطفائية” بدلاً من أن يكون زعيمًا يعبر عن آلام شعبه ويطالب بحقوقه في مواجهة العدو الإسرائيلي.
الحرائق التي اندلعت في القدس المحتلة في الأيام الماضية كانت على ما يبدو من تداعيات الظروف الجوية، ولكن الغريب في الأمر هو الطريقة التي تعامل بها عباس مع هذه الحوادث.
بدلاً من أن يُعبّر عن معاناة الشعب الفلسطيني في غزة التي تشهد هجمات متواصلة من قبل الاحتلال، وجد عباس نفسه متحدثًا باسم الاحتلال الإسرائيلي، داعيًا إياه إلى التدخل بسرعة لإخماد الحرائق في القدس المحتلة.
وبينما كانت النيران تلتهم الغابات في القدس، كانت غزة في حالة استنزاف كبير نتيجة القصف المتواصل منذ أشهر. حصار خانق، ومئات الغارات الجوية التي لا تتوقف، وكل ذلك يصاحبهم عدد هائل من الشهداء والجرحى.
ورغم كل هذه المعاناة في غزة، بدا عباس كمن لا يرى ما يحدث هناك، رغم أن الحرب على غزة قد أسفرت عن دمار غير مسبوق في المدن والمنازل الفلسطينية.
هذا التناقض لم يكن محط اهتمام عباس، بل بدا وكأن السلطة الفلسطينية أصبحت جزءًا من الآلة التي تخدم مصالح الاحتلال الإسرائيلي، بدلاً من أن تكون القوة المدافعة عن حقوق الشعب الفلسطيني. تصريحات عباس تلك قد تكون أقرب إلى تصريحات تمثل الجانب الإسرائيلي أكثر من أي شيء آخر.
إن الخطاب الذي أدلى به محمود عباس ليس جديدًا على الشعب الفلسطيني، فقد اعتاد الفلسطينيون على سياسة التنسيق الأمني التي تنتهجها السلطة الفلسطينية مع الاحتلال الإسرائيلي. سياسة التنسيق الأمني التي لطالما أثارت الجدل داخل الأراضي الفلسطينية وتسببت في تعزيز حالة من الاستفزاز الشعبي تجاه السلطة.
منذ أن تولى عباس مقاليد السلطة بعد وفاة ياسر عرفات، كانت السلطة الفلسطينية تقوم بالتنسيق الأمني مع الاحتلال، حيث تم التنسيق بشكلٍ مباشر بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية والإسرائيلية.
هذه السياسة كانت ولا تزال تثير جدلاً كبيرًا داخل الأراضي الفلسطينية، حيث يرى الفلسطينيون أن هذا التنسيق لا يخدم سوى مصالح الاحتلال، ويشكل طعنة في ظهر القضية الفلسطينية التي لطالما كانت تشدد على رفض أي نوع من التعاون مع العدو الإسرائيلي.
لم يكن تصريح عباس الأخير مجرد لحظة عابرة، بل جاء في توقيت حساس للغاية، خاصة في ظل تصاعد المقاومة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال.
فقد تزامن مع هذه التصريحات العديد من الهجمات التي قامت بها المقاومة ضد قوات الاحتلال في غزة، والتي كانت مدعومة من قبل مختلف الفصائل الفلسطينية التي طالما سعت إلى إرساء مشروع التحرير الوطني.
وفي المقابل، فقد تحول هذا الخطاب إلى ساحة غضب على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اجتمع النشطاء الفلسطينيون والعرب لتوجيه اللوم والتنديد على محمود عباس، بل أطلقوا عليه لقب “رئيس الإطفائية”، في إشارة إلى أنه يقوم بدور غير لائق لزعيم فلسطيني وهو التنسيق مع الاحتلال في أكثر من مناسبة.
النشطاء وصفوا عباس بأنه أصبح أداة من أدوات الاحتلال، في وقت كان فيه الفلسطينيون في حاجة ماسة إلى قيادة قادرة على تحقيق العدالة في ظل الظروف القاسية.
إحدى النقاط المثيرة للجدل في الفترة الأخيرة هي محاولة مراقبين تحليل علاقة السلطة الفلسطينية بإسرائيل. فقد أكد العديد من هؤلاء المراقبين أن السلطة الفلسطينية قد تحولت في الوقت الحالي إلى “فرع” من فروع الاحتلال الإسرائيلي، حيث تقوم السلطة بتنسيق الجهود الأمنية مع الاحتلال، وتتجاهل قضايا الفلسطينيين العميقة.
هذا التحول في الموقف السياسي قد يتسبب في فقدان السلطة لأي قاعدة شعبية، خاصة في ظل تزايد الرفض الشعبي لمواقفها.
ويطرح البعض تساؤلاً مثيرًا حول إذا ما كانت السلطة قد فقدت بالفعل قدرتها على تمثيل الشعب الفلسطيني أم أن السياسة التي تتبعها قد جعلتها جزءًا من الهيكل الأمني الإسرائيلي بدلاً من أن تكون القوة المدافعة عن القضية الفلسطينية.
وفي ضوء كل ما يحدث من تطورات ميدانية وسياسية، يتساءل الفلسطينيون: هل سيكون عباس هو من يقود الشعب الفلسطيني نحو النصر؟ أم أنه سيظل عاجزًا عن تحقيق التطلعات الفلسطينية في مواجهة الاحتلال؟
إن تجاهل عباس لأبسط حقوق الفلسطينيين في غزة بينما يمد يد التعاون مع الاحتلال الإسرائيلي يجعل من الصعب تصديق أنه يمثّل الشعب الفلسطيني بأكمله.
لا شك أن المستقبل القريب سيكون حاسمًا في تحديد مصير السلطة الفلسطينية، فإما أن تعود السلطة لتكون تمثيلًا حقيقيًا لطموحات الشعب الفلسطيني، أو أنها ستظل مجرد أداة أمنية في يد الاحتلال، تستمر في تقديم الخدمات التي تخدم مصالحه فقط.
وفي النهاية، فإن الفلسطينيين في كل مكان يرون أن المقاومة هي السبيل الوحيد لتحقيق التحرر والعدالة، وأن السلطة الفلسطينية تحتاج إلى أن تعيد تقييم سياستها، وتوقف التنسيق مع الاحتلال الذي بات يشكل عائقًا أمام تحقيق أي تقدم نحو الحرية والاستقلال.










