في الأول من مايو من كل عام، يحتفل العالم بعيد العمال، مناسبة لتكريم الطبقة العاملة وتسليط الضوء على نضالها الطويل من أجل العدالة الاجتماعية وتحسين ظروف العمل.
في مصر، يأتي هذا اليوم محملاً بتناقضات صارخة؛ ففي الوقت الذي تُرفع فيه الشعارات وتُلقى الخُطب الرسمية عن تقدير الدولة لدور العمال، يعيش ملايين منهم في أوضاع لا تليق بكرامتهم، وسط انتهاكات ممنهجة لحقوقهم الأساسية في بيئات العمل، وتراجع مستمر في مكتسباتهم الاجتماعية والاقتصادية.
أولاً: تدهور أوضاع العمال في القطاعات الرسمية وغير الرسمية
يعاني العمال المصريون في القطاعين الرسمي وغير الرسمي من أزمات متفاقمة، تشمل تدني الأجور، غياب الحماية التأمينية، وطول ساعات العمل دون تعويض عادل.
في القطاع الرسمي، بات التثبيت في الوظائف الحكومية نادراً، في ظل سياسة تقشف وتجميد التعيينات، أما في القطاع الخاص، فتسود عقود العمل المؤقتة، ويُحرم العمال من أبسط الحقوق مثل التأمين الصحي أو الإجازات المدفوعة.
في المقابل، يضم الاقتصاد غير الرسمي أكثر من 50% من قوة العمل في مصر، وفق تقديرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. ويعمل هؤلاء في غياب كامل للرقابة أو الحماية القانونية، مما يجعلهم عرضة للاستغلال، دون حد أدنى من الأجور أو أي ضمان اجتماعي.
ثانياً: القمع النقابي وتقييد حرية التنظيم
من أبرز الانتهاكات التي تواجه العمال في مصر هي القيود المفروضة على حرية التنظيم النقابي. فبعد ثورة يناير 2011، شهدت مصر موجة من التعددية النقابية، إلا أن الأمور سرعان ما تغيرت بعد 2013، حيث تم التضييق على النقابات المستقلة، بل وتم حل عدد كبير منها، مقابل تعزيز دور الاتحاد العام لنقابات عمال مصر الخاضع لإشراف الدولة.
ويواجه العمال والنقابيون المستقلون حملات تشويه واعتقال في بعض الأحيان، لمجرد مطالبتهم بحقوقهم. كما تُفرض قيود إدارية وقانونية على تسجيل النقابات الجديدة، ما يفرغ الحق في التنظيم من مضمونه.
ثالثاً: الأجور المتدنية والتفاوت الطبقي
رغم الحديث الرسمي عن رفع الحد الأدنى للأجور، إلا أن تأثير ذلك على حياة العمال كان محدوداً. فمع ارتفاع معدلات التضخم، وتراجع القدرة الشرائية للجنيه المصري، لم تعد الزيادات المعلنة كافية لتغطية الاحتياجات الأساسية. يضاف إلى ذلك غياب العدالة في توزيع الأجور، حيث تتسع الفجوة بين الرواتب في المؤسسات الحكومية والعسكرية من جهة، والقطاع الخاص والوظائف العادية من جهة أخرى.
رابعاً: السلامة المهنية وحوادث العمل
تشير الإحصائيات إلى تزايد حوادث العمل في مصر، نتيجة ضعف إجراءات السلامة المهنية في المصانع ومواقع البناء. وغالباً ما تُلقي الجهات المعنية اللوم على “الإهمال الفردي”، دون مساءلة حقيقية لأصحاب العمل أو تفعيل للرقابة. وتُعد الحوادث القاتلة أو المسببة لعاهات مستديمة من أبرز الكوارث التي تهدد حياة العمال يومياً، وسط صمت حكومي وإعلامي.
خامساً: النساء العاملات.. تمييز مضاعف واستغلال مستمر
تواجه النساء العاملات في مصر تحديات مزدوجة، إذ يعانين من نفس مشكلات زملائهن الرجال، بالإضافة إلى التمييز القائم على النوع الاجتماعي. فغالباً ما تُدفع النساء إلى وظائف منخفضة الأجر، ويحرمن من الترقّي أو الحصول على إجازات الأمومة أو الرعاية. كما تنتشر حالات التحرش في أماكن العمل دون آليات فعالة للردع أو الشكوى.
سادساً: عمالة الأطفال وتحديات الحماية
رغم وجود قوانين تحظر عمالة الأطفال، لا تزال الظاهرة منتشرة في المناطق الريفية والفقيرة، خاصة في القطاع الزراعي والصناعات اليدوية. وتُحرم هذه الفئة من حقها في التعليم والحماية، مما يُشكل خرقاً صارخاً للاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر.
سابعاً: انتهاكات في مناطق الاستثمار والمناطق الحرة
في مناطق الاستثمار والمناطق الحرة، يُحرم العمال من الحقوق النقابية، وتُفرض عليهم ظروف عمل قاسية مقابل أجور زهيدة. كما تُستخدم تلك المناطق كبيئة معزولة عن رقابة الدولة، ما يفتح الباب أمام ممارسات استغلالية تصل أحياناً إلى درجات من العبودية الحديثة.
ثامناً: غياب الإرادة السياسية والإصلاحات الشكلية
على الرغم من الحديث المتكرر عن دعم العمال، إلا أن غياب الإرادة السياسية لإحداث إصلاح حقيقي في ملف العمل واضح. فالقوانين تصدر دون آليات تنفيذ فعالة، وغالباً ما تُستخدم المناسبات مثل عيد العمال كفرصة للدعاية دون أن تنعكس على أرض الواقع.
تاسعاً: توصيات
- مراجعة قوانين العمل بما يضمن حماية حقيقية للعمال، خصوصاً في القطاع غير الرسمي.
- تمكين النقابات المستقلة وتسهيل إجراءات إنشائها.
- تفعيل الرقابة على شروط السلامة المهنية.
- رفع الحد الأدنى للأجور بما يتناسب مع معدلات التضخم.
- حماية النساء العاملات من التمييز والتحرش.
- القضاء على عمالة الأطفال من خلال سياسات تعليمية ودعم للأسر الفقيرة.
- إلزام المستثمرين في المناطق الحرة باحترام حقوق العمال.
- عيد العمال في مصر ليس مناسبة للاحتفال بقدر ما هو تذكير بمآسي يومية يعيشها ملايين الكادحين. ومع استمرار سياسات التهميش والإهمال، تبقى حقوق العمال مهدورة، وأحلام العدالة الاجتماعية مؤجلة، في انتظار صحوة حقيقية تعيد للعمل قيمته، وللعامل كرامته.










