بدأت الكهرباء تعود تدريجياً إلى إسبانيا والبرتغال بعد انقطاع تاريخي واسع النطاق ضرب معظم أنحاء شبه الجزيرة الأيبيرية يوم الإثنين، مخلفاً وراءه شللاً اقتصادياً وخسائر بملايين الدولارات. وصف هذا الانقطاع بأنه الأكبر من حيث الحجم في التاريخ الحديث للمنطقة، وتسبب به “تقلبات قوية للغاية في تدفقات الطاقة”، وفقًا لشبكة الكهرباء الإسبانية.
تداعيات اقتصادية واسعة
أجبر الانقطاع العديد من العمال في البلدين على مغادرة أماكن عملهم وتعطلت خطوط الهاتف والإنترنت وأنظمة الدفع بالبطاقات. شلّ انقطاع التيار الكهربائي مختلف الصناعات في إسبانيا، بدءًا من سلاسل الأغذية الكبرى وقطاع النقل، وصولًا إلى البنوك والأدوية.
الصناعة والتصنيع: توقفت مصانع سيارات وشاحنات كبرى مثل فورد وإيفيكو، والتي توظف الآلاف، عن العمل. تأثر الآلاف من الموردين الصغار الذين لا يملكون إمدادات طاقة احتياطية كافية. تشمل الصناعات التحويلية الرئيسية المتأثرة في إسبانيا السيارات، إنتاج المواد الغذائية، والمواد الكيميائية.
التجارة والتجزئة: أُغلقت بعض متاجر التجزئة ومصافي النفط الإسبانية. تحولت العديد من محلات السوبر ماركت إلى تلقي الطلبات يدويًا باستخدام الورق والقلم. شهدت المتاجر إقبالًا شديدًا من الناس لتخزين المواد الأساسية، مما أدى إلى ظهور طوابير طويلة ورفوف فارغة في بعض الأماكن.
الخدمات المالية والمصرفية: امتلأت أجهزة الصراف الآلي بطوابير طويلة من الأشخاص الذين حاولوا سحب الأموال نقدًا بسبب توقف الأجهزة عن العمل. توقفت الصيدليات عن بيع الأدوية.
النقل واللوجستيات: توقفت حركة القطارات والمترو في مدن كبرى مثل مدريد ولشبونة. تعطلت إشارات المرور مما تسبب في فوضى وازدحامات مرورية خانقة. دعت الإدارة العامة للمرور في إسبانيا الجمهور لتجنب السفر بالسيارات. ارتفعت حركة المرور في مدريد بنسبة 194%، وهو مستوى قياسي. تعطلت إمدادات الوقود، مما أعاق حركة الشاحنات. تأثر قطاع السفر بشكل كبير مع توقف القطارات وتأخيرات كبيرة في المطارات.
الصحة: عُلقت العمليات الطبية الروتينية في مستشفيات بمدريد وكاتالونيا، مع استمرار استقبال الحالات الحرجة باستخدام مولدات احتياطية. تأثرت إمدادات بعض الأدوية الهامة مثل أدوية السكري والسرطان.
تقديرات أولية للخسائر
بدأت القطاعات المتضررة بحساب التكلفة الاقتصادية للانقطاع. انخفض الاستهلاك الوطني للكهرباء بنسبة تزيد عن 40% في الدقائق التي أعقبت الانقطاع. قدر محللون أن الاقتصاد الإسباني “أُغلق” مؤقتًا لذلك اليوم، مما سيؤثر على الشركات على المدى القصير، لكن من المرجح أن يكون الاضطراب الكلي هامشيًا إذا عادت الكهرباء بسرعة.
أسباب غامضة وتحقيقات جارية
لا يزال السبب الدقيق للانقطاع غير واضح وتجري التحقيقات. نفت شركة REN البرتغالية التقارير الأولية التي نسبت السبب إلى “ظاهرة جوية نادرة” تتعلق بتغيرات درجات الحرارة في إسبانيا. استبعد المسؤولون في البلدين فرضية الهجوم الإلكتروني. أشار رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز إلى فقدان هائل للطاقة (15 غيغاوات) في ثوانٍ قليلة، وهو أمر غير مسبوق. ذكرت شركة (آر.إي.إي) الإسبانية أن انقطاعًا في الاتصال بشبكة الكهرباء مع فرنسا أدى إلى تأثير متتالٍ. كما أشارت بعض المصادر إلى أن الإفراط في توليد الطاقة الشمسية قد يكون من العوامل المساهمة، حيث شكلت 59% من كهرباء إسبانيا وقت الانقطاع.
جهود الاستعادة
بدأت الكهرباء بالعودة تدريجيًا مساء يوم الإثنين. بحلول صباح الثلاثاء، تمت إعادة التيار إلى ما يقرب من 90% من البر الرئيسي الإسباني. قامت إسبانيا بتفعيل محطات الغاز والطاقة الكهرومائية لتسريع عملية التعافي. أعلنت الحكومة الإسبانية حالة طوارئ وطنية ونشرت 30 ألف شرطي للحفاظ على النظام. أكد مشغل الشبكة البرتغالية (REN) أن عودة الخدمات إلى طبيعتها بالكامل قد تستغرق نحو أسبوع في أسوأ السيناريوهات.
يُعد انقطاع التيار الكهربائي بهذا الحجم نادرًا للغاية في أوروبا، مما يسلط الضوء على أهمية استقرار شبكات الطاقة وتحديات دمج مصادر الطاقة المتجددة.











