شهدت الساعات الأخيرة تصعيدًا غير مسبوق في الخطاب الرسمي الجزائري تجاه الإمارات العربية المتحدة، حيث وصفتها وسائل الإعلام الحكومية بـ “الدويلة المصطنعة” و “الكيان الهجين”، في إطار حملة إعلامية مُمنهجة تزامنت مع أزمات داخلية عميقة.
يأتي هذا التصعيد بعد أشهر من التوترات الدبلوماسية المتراكمة، والتي تجلت في فرض جزاءات اقتصادية وتبادل اتهامات بالتجسس.
الخطاب الإعلامي: من التلميح إلى التصريح
بلغت لغة التلفزيون الرسمي الجزائري مستويات غير مألوفة، حيث اتهم الإمارات بـ “تحويل نفسها إلى مصانع للفتنة” و “بث السموم الإيديولوجية”.
وفي تصعيد إعلامي حاد، اتهم التلفزيون الجزائري الرسمي قناة إماراتية بـ “نفث السموم” و “المساس الخطير بثوابت الشعب الجزائري العريقة ومحاولة التشكيك في أصولها وتاريخها العميق”.
وذكر التلفزيون في سلسلة أخبار عاجلة أن “تطاول دويلة الإمارات المصطنعة على الجزائر ذات التاريخ المقاوم ليس سوى محاولة يائسة من كيانات هجينة تفتقر إلى الجذور والسيادة الحقيقية”.
واتهم التلفزيون الحكومي الجزائري الإمارات بأنها “تحولت إلى مصانع للفتنة وبث السموم الإيديولوجية مستغلة تاجر إيديولوجيا في سوق التاريخ”. وجدد التلفزيون التأكيد على أن “الجزائر التي دفعت ملايين الشهداء دفاعًا عن وحدتها لا ترضخ للاستفزازات ولن تغفر المساس بثوابتها وبأسس هويتها وانتمائهم”.
وأضاف: “إن التحريض الإعلامي الإماراتي الذي يمس هوية الشعب الجزائري لن يمر دون محاسبة أخلاقية وشعبية، فالطعن في وحدة الشعب الجزائري ليس مجرد إساءة إعلامية بل عدوان يطال القيم والسيادة والمصير المشترك، طعن يأتي فقط من أجل حصد المزيد من الولاء لمن يقض مضاجعهم استقرار الجزائر وتقدمها”.
وفي رسالة شديدة اللهجة، أكد التلفزيون العمومي الجزائري أن “الجزائر لن تقف باكية على أطلال ما قدمته للدويلة المصطنعة من دعم ونصرة، لكنها وكما يفعل الشامخون سترد الصاع صاعين”.
ويُعد هذا التصعيد الإعلامي الحاد مؤشرًا على تدهور العلاقات بين البلدين ووصولها إلى “نقطة الصفر”، بحسب ما ذكره التلفزيون الجزائري. ووفقًا لتحليل صحيفة “الأحداث” الفرنسية، فإن هذا الانزياح اللغوي يعكس تحولًا في الإستراتيجية الجزائرية من الدبلوماسية السرية إلى المواجهة المباشرة، في محاولة لتصدير الأزمات الداخلية.
الجذور التاريخية للتوتر
تعود جذور الأزمة إلى عام 2024 مع اتهامات جزائرية للإمارات بدعم المغرب في نزاع الصحراء الغربية، حيث فرضت الجزائر عقوبات على شركات إماراتية كرد فعل. وتفاقم الوضع مع إعلان الإمارات حظرًا على شخصيات جزائرية من دخول أراضيها، في حين اتهمت الجزائر سفير الإمارات بالتدخل في شؤونها الداخلية.
كما كشفت مصادر دبلوماسية أجنبية عن وجود تحركات مشبوهة لملحق الدفاع بسفارة الإمارات في الجزائر، موضحة أن الهدف من الحرب هو اشعال حرب بين الجزائر والمغرب.
أخبار ذات صلة
الجزائر تصدر قرارا رسميا يحذر مسؤوليها من العبور عبر أجواء ومطارات الإمارات
تبون يهاجم الإمارات: الجزائر تقف إلى جانب السودان لمواجهة قوى الشر
وأوضحت مصادر دبلوماسية أجنبية لـ “الشروق الجزائرية” صدرت عنه تصرفات لا تليق بممثل دبلوماسي لبلد عربي مسلم في حق دولة شقيقة، طالما كانت حريصة على صيانة روابط الأخوة والعمل على ترقية العلاقات الثنائية في كافة المجالات وتكريس التعايش السلمي في المنطقة، وخاصة بين الأقطار العربية.
وكشفت المصادر الأجنبية نفسها لـ “الشروق” أن هذا الملحق الإماراتي الذي يحمل رتبة عقيد، صرح لأحد الدبلوماسيين، في حضرة نظرائه الأوروبيين، أنه في حال نشوب حرب بين الجزائر والمغرب، فإن بلاده ستقف بكل إمكاناتها مع المملكة المغربية”.
الأبعاد الداخلية: الاقتصاد والأمن القومي
تشير وثيقة مسربة من البنك المركزي الجزائري إلى تراجع الاحتياطي النقدي الأجنبي بنسبة 37% منذ 2023، فيما بلغت نسبة التضخم في القطاع الغذائي 49%.
وفي هذا السياق، يرى محللون أن الحملة الإعلامية الحالية تهدف إلى تحويل الانتباه عن فشل السياسات الاقتصادية، خاصة بعد تدهور قيمة الدينار الجزائري أمام العملات الأجنبية.
وكشف تقرير لـ “ماغريب إنتليجنس” عن عقد المجلس الأعلى للأمن الجزائري 17 اجتماعًا طارئًا خلال الربع الأول من 2025، مقارنة بثلاثة اجتماعات فقط في الفترة ذاتها من 2024.
هذه الزيادة الكمية تعكس، وفقًا لخبراء، هيمنة متزايدة للمؤسسة العسكرية على صنع القرار السياسي، مع تنامي نفوذ الجنرالات في إدارة الملفات الخارجية.
الجزائر تتوعد الإمارات بعد اجتماع تبون
“الشر القادم من الإمارات” اشتعال الحرب الخفية بين الجزائر والإمارات
فيما علق المحلل السياسي الجزائري أنور مالك على الحرب المكومة بين الجزائر والإمارات، قائلا ليست الأولى من نوعها.. هجوم متصاعد وحاد من الجزائر على الإمارات العربية المتحدة عبر برقيات من جهاز الاستخبارات تنشرها صحف تعتبر أبرز الأذرع الإعلامية للمخابرات الجزائرية”.
وتسائل مالك في تغريدة له على “إكس” قائلا “: إلى أين تتجه العلاقات بين البلدين؟ ما مصير مشاريع اقتصادية إماراتية ضخمة في الجزائر ؟ ماذا يعني الصمت الرسمي من الرئاسة والخارجية واستمرار الهجوم الاستخباراتي؟ من يقف وراء هذا الهجوم الذي تجاوز حدود اللباقة الدبلوماسية؟”.
وتابع قائلا “هل ستظل الإمارات تلتزم الصمت تجاه هذا التطاول الإعلامي من جهاز الاستخبارات الجزائري؟ هل السبب هو المغرب أم أشياء أخرى خفية؟”.
الانعكاسات الإقليمية: محور المغرب العربي
أدت الأزمة إلى تعزيز التحالف الإماراتي-المغربي، حيث وقع البلدان اتفاقية دفاع مشترك في أبريل 2025 تتضمن إنشاء قاعدة عسكرية مشتركة قرب الحدود الجزائرية. من جهتها، تسعى الجزائر لتعزيز تحالفاتها مع تونس وموريتانيا، عبر زيادة الاستثمارات في البنى التحتية الحدودية.
وقالت صحيفة “هسبيرس” المغربية في تقرير لها تحت عنوان “الجزائر تهاجم التحالف المغربي الإماراتي لتجاوز الاحتقان و(صفعة بريكس)،”: “شماعة وصلت إلى أبوظبي، التي اتهمتها وسائل إعلام جزائرية ناطقة باسم قصر المرادية بـ “معاداة الجزائر، والدفع في اتجاه حرب بينها وبين المغرب من خلال تحركات مشبوهة للملحق العسكري للسفارة الإمارتية في الجزائر”. إذ نقلت عن مصادر دبلوماسية أجنبية أن “الأخير صرح لأحد الدبلوماسيين في حضرة نظرائه الأوروبيين بأنه في حالة نشوب حرب بين الجزائر والمغرب فإن أبوظبي ستقف بكل إمكانياتها مع الرباط”.
وتابعت “هسبريس”: “وليست هذه هي المرة الأولى التي تهاجم فيها وسائل إعلام النظام الجزائري التحالف المغربي-الإماراتي، إذ سبق أن اتهمت صحف جزائرية الإمارات “بتزويد المغرب بنظام تجسس على الجزائر”.
فيما اتهم عبد القادر بن قرينة، رئيس حركة البناء الوطني الجزائري، الدولة الخليجية بـ “تشجيع التطبيع بتواطؤ مع المغرب”، في محاولة منه لـ “هدم وشيطنة تحالف الرباط وابوظبي”.
ملف الصحراء الغربية: قلب الصراع
تشير صور الأقمار الصناعية إلى تعزيز الإمارات وجودها العسكري في مدينة العيون المحتلة، مع نشر منظومات دفاع جوي متطورة. وفي رد فعل متصل، أعلنت الجزائر عن مناورات عسكرية مشتركة مع جنوب إفريقيا ونيجيريا قرب الحدود المغربية.
واتهمت صحيفة الخبر الجزائرية، في عددها الصادر اليوم الخميس، 27 يوليو 2023، الإمارات بالتأمر على الجزائر وموريتانيا. ووصفت صحيفة الخبر خلال نشر خبر في صفحتها الأولى عنونته بـ “أبوظبي.. عاصمة التخلاط”، وهي الجملة التي تعني بالجزائرية: “أبوظبي.. عاصمة الفتنة”.
وقالت الجريدة في خبرها إن “ورثة الشيخ زايد، حوّلوا بلادهم إلى وسيط لدى الكيان الصهيوني، وسخّروا إمكانات مالية ومادية ضخمة من أجل محاولة زعزعة أمن واستقرار المنطقة، لا سيما الجزائر”.
مصادر: تحركات مشبوهة لـ الإمارات في الجزائر لاشعال حرب مع المغرب
أزمة مكتومة بين الجزائر والإمارات على خليفة اعتقال 4 جواسيس إماراتيين
و تُعتبر جريدة “الخبر”، التي خصصت “مانشيت” عن “عداء الإمارات للجزائر”، من وسائل الإعلام المقربة من السلطات الجزائرية، بعد أن كانت من بين أكبر الجرائد المعارضة في البلاد قبل 2020.
وقالت جريدة الخبر، في خبرها الذي خصصت له صفحة كاملة، إن الإمارات تمارس ضغطاً رهيباً على موريتانيا لجرها للتطبيع مع إسرائيل، مؤكدة عبر مصادرها سفر وزير الدفاع الموريتاني إلى إسرائيل في الفترة الماضية عبر إمارة دبي في رحلة أشرف عليها مسؤولون إماراتيون.
صحفي جزائري يتهم الإمارات بتمول حرب إلكترونية ضد الجزائر
صحيفة مغربية تسخر من الجزائر..ما علاقة الإمارات؟
تداعيات اقتصادية مباشرة
أدت العقوبات المتبادلة إلى شل حركة 43% من الصادرات الجزائرية إلى الخليج، بينما خسرت الإمارات 1.2 مليار دولار من الاستثمارات في قطاع الطاقة الجزائري. وتتوقع منظمة التجارة العالمية انكماشًا بنسبة 0.7% في الناتج المحلي الإجمالي للبلدين خلال 2025.
سيناريوهات المستقبل: بين التصعيد والحل
يطرح الخبير الاستراتيجي د.عمر بلكحل ثلاث فرضيات: الأولى تتمثل في تدخل عسكري محدود عبر وكلاء إقليميين، والثانية في تسوية سياسية عبر وساطة قطرية، بينما تحذر الثالثة من انهيار كامل للعلاقات قد يؤثر على أمن الطاقة العالمي. في المقابل، تدعو منظمات المجتمع المدني إلى عقد قمة طارئة لوزراء خارجية الدول العربية لمنع تفاقم الأزمة.










