جي دي فانس هو أحد الأسماء التي بدأت تكتسب شهرة في الساحة السياسية الأمريكية في السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد أن تم اختياره من قبل الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، ليكون نائباً له في انتخابات 2024. لكن هذا الاختيار لم يكن مجرد قرار عابر، بل هو جزء من استراتيجية ترامب لتوطيد النفوذ السياسي في مرحلة ما بعد رئاسته، بالإضافة إلى كونه انعكاساً للتغيرات الأيديولوجية والسياسية في الحزب الجمهوري. لفهم اختيار ترامب لفانس، لابد من دراسة خلفية هذا الأخير أولاً، ثم التحليل الدقيق للظروف السياسية التي قد تكون قد دفعت ترامب إلى اتخاذ هذا القرار.
1. الرحلة السياسية لجي دي فانس
جي دي فانس هو محامٍ وكاتب، وُلد في ولاية أوهايو عام 1984. حصل على شهرة واسعة في عام 2016 مع كتابه “Hillbilly Elegy”، الذي سلط الضوء على حياة الطبقات العاملة في مناطق معينة من الولايات المتحدة، مثل أوهايو، التي يُنظر إليها على أنها “أمريكا الحقيقية”. الكتاب كان بمثابة مرآة لمعاناة الطبقات العمالية البيضاء في أمريكا، وهو ما جعله صوته يلقى صدى واسعاً بين العديد من الجمهوريين، خاصة في المناطق الريفية.
على الرغم من أن فانس بدأ حياته السياسية كمؤيد لليبرالية، فإن تحولاته الفكرية نحو اليمين الشعبوي كانت واضحة في السنوات الأخيرة. خلال فترة حملته للانتخابات لمجلس الشيوخ في أوهايو في عام 2022، أصبح فانس مؤيداً قوياً لسياسات ترامب، وهو ما ساعده على الفوز في الانتخابات رغم مواجهته لانتقادات من بعض الأوساط الليبرالية ووسائل الإعلام.
2. فانس في ظل سياسات ترامب
السبب وراء تقارب فانس مع ترامب يعود إلى العديد من العوامل. فانس ليس مجرد “رجل أعمال” أو “محامي” بالمعنى التقليدي، بل هو رمز للصعود السياسي الذي يعتمد على استثمار شعبيته المتزايدة بين الطبقات العمالية البيضاء في أمريكا. فبأسلوبه الشعبوي، عُرف فانس بمواقفه الحادة ضد الهجرة غير الشرعية، وتأييده لسياسات ترامب الاقتصادية، مثل فرض الرسوم الجمركية على الصين، ومعارضته للتجارة العالمية التي يراها ضارة بالعمال الأمريكيين.
لقد تبنى فانس خلال حملته الانتخابية لعدد من المناصب سياسات ترامب بشكل حرفي تقريباً، مثل دعم فرض قيود على الهجرة، والدعوة إلى إعادة تركيز الإنتاج الصناعي داخل الولايات المتحدة. هذا التوافق الأيديولوجي جعله يحظى بدعم قوي من قاعدة ترامب الشعبية، وهو ما دفع الأخير إلى دعمه بشكل علني.
3. لماذا اختار ترامب جي دي فانس نائباً له؟
الاختيار غير التقليدي لجي دي فانس ليكون نائباً لدونالد ترامب يمكن أن يُفهم في إطار عدة اعتبارات استراتيجية وسياسية:
- شعبوية ترامب المتجددة: منذ مغادرته البيت الأبيض، سعى ترامب إلى الحفاظ على قبضته على الحزب الجمهوري، خاصة بعد التحديات السياسية التي واجهها في أعقاب انتخابات 2020. كان فانس، بنهجه الشعبوي، يمثل الشخصية المثالية التي يمكنها استقطاب قاعدة ترامب الواسعة، وهو ما يعزز من رسالته السياسية التي تركز على النخبة السياسية التقليدية التي تبتعد عن اهتمامات الشعب الأمريكي. بالإضافة إلى ذلك، فإن اختيار فانس يمكن أن يساهم في تعزيز التفاؤل لدى الطبقات العاملة، الذين يشعرون بالتمييز في السياسة الأمريكية التقليدية.
- وريث محتملاً لترامب: ترامب نفسه أشار إلى فكرة “الوريث” السياسي في مناسبات عديدة. يعتقد الكثيرون أن ترامب يراهن على فانس ليكون خليفته في البيت الأبيض في المستقبل. فانس، بجاذبيته في دوائر الطبقات العاملة وتأييده اللامحدود لترامب، يمكن أن يصبح أحد الشخصيات الأساسية التي تواصل إرث ترامب السياسي بعد مغادرته الحياة السياسية (إن حصل ذلك). هذا سيضمن بقاء الخطاب الشعبوي في الحزب الجمهوري وأن لا تتسلل أصوات المعتدلين أو التقدميين إلى قلب الحزب.
- التأكيد على الهوية الريفية والمناطقية: يتحدث فانس عن الريف الأمريكي بطريقة تعكس حياة الناس في الأماكن التي فشل فيها الحزب الديمقراطي تقليدياً في تقديم حلول. هذا الموقف يمنح ترامب قوة في التأكيد على أن اهتمامه يظل منصباً على أولئك الذين يشعرون بأنهم مهمشون من قبل السياسة التقليدية. اختيار فانس يسهم في ترسيخ هذا الرسالة، وهي تعزيز مناصرة أولئك الذين يشعرون بالتهميش في المجتمع الأمريكي.
4. التحديات التي قد يواجهها فانس
بالرغم من الدعم الكبير الذي يحظى به فانس من قاعدة ترامب، فإنه لا يزال يواجه تحديات كبيرة في المستقبل السياسي:
- الانتقادات من قبل الخصوم الديمقراطيين: يواجه فانس هجومًا مستمرًا من الحزب الديمقراطي ووسائل الإعلام الليبرالية، التي ترى في صعوده تمثيلًا لتغول اليمين المتطرف في السياسة الأمريكية. هذا الهجوم قد يضعف من شعبيته في بعض الدوائر السياسية والاجتماعية.
- الاستقطاب الداخلي داخل الحزب الجمهوري: مع استمرار تأثير ترامب في الحزب الجمهوري، إلا أن هناك تيارات أخرى داخل الحزب قد لا تكون متوافقة مع سياسات فانس أو أسلوبه. كما أن القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي يعالجها قد لا تلقى قبولًا عالميًا، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى استدامة هذا الاتجاه.
المحصلة أن اختيار جي دي فانس كنائب محتمل لدونالد ترامب لا يعكس فقط تحالفًا سياسيًا قويًا، بل هو في الحقيقة خطوة استراتيجية نحو تأكيد استمرارية الإرث الشعبوي لترامب في الحزب الجمهوري. فانس يجسد الجسر بين الفئات التي تؤمن بما يُسمى “أمريكا الحقيقية” وبين المستقبل السياسي الذي قد يشكل وجهًا جديدًا لحركة ترامب. ومع ذلك، يظل فانس أمام تحديات متعددة، سواء من الداخل الجمهوري أو من خصومه في الديمقراطيين. ولكن في النهاية، يبقى فانس جزءًا من القصة التي تكتب الآن في السياسة الأمريكية، وستكون له تأثيرات لا محالة في السنوات القادمة.










