في خطوة جديدة، أعلنت الحكومة الأردنية عن ترتيب تمويلي مع صندوق النقد الدولي يتيح لها الحصول على تسهيلات مالية إضافية بقيمة لا تقل عن 700 مليون دولار، ضمن ما يُسمى “تسهيل الصمود والاستدامة” الذي يستهدف دعم إصلاحات طويلة الأمد في مجالات الصحة العامة والتغير المناخي. ورغم أن المسؤولين في عمان وصندوق النقد يروّجون لهذا الاتفاق باعتباره دعماً لمناعة الاقتصاد الأردني في مواجهة الأزمات، إلا أن قراءة نقدية للخبر تطرح تساؤلات جوهرية حول جدوى هذا المسار وتبعاته على السيادة الاقتصادية والاجتماعية في الأردن.
إصلاحات أم اشتراطات؟
الاتفاق الجديد ليس منفصلاً عن برنامج “تسهيل الصندوق الممدد” القائم حالياً، والذي تبلغ قيمته نحو 1.2 مليار دولار على أربع سنوات، بل يأتي مكملاً له، ويشترط استمرار تنفيذ إصلاحات هيكلية في قطاعات المياه والكهرباء، وتعزيز الجاهزية الصحية للطوارئ. ورغم الإشادة بـ”مناعة الاقتصاد الأردني” في مواجهة صدمات كجائحة كورونا وارتفاع أسعار النفط والحرب في غزة، إلا أن الواقع يشير إلى استمرار معدلات البطالة المرتفعة، خاصة بين الشباب والنساء، وتباطؤ النمو الاقتصادي إلى 2.5% في 2024 مع توقعات متواضعة للعام المقبل.
التمويل الخارجي: مسكّن أم عبء متفاقم؟
يحاجج المسؤولون بأن هذه التسهيلات تعزز الاستقرار المالي وتمنح الأردن قدرة أكبر على مواجهة الأزمات، لكن الحقيقة أن الاعتماد المتزايد على التمويل الخارجي يكرس حلقة مفرغة من الديون والاشتراطات الدولية. فالحكومة تلتزم بخفض الدين العام إلى 80% من الناتج المحلي بحلول 2028، بينما تواصل الاقتراض وتطبيق سياسات تقشفية تمس الخدمات العامة والإنفاق الاجتماعي. كما أن الإصلاحات المطلوبة غالباً ما تعني خصخصة قطاعات حيوية ورفع الدعم عن السلع الأساسية، ما يثقل كاهل المواطن الأردني ويزيد من هشاشة الفئات الأكثر ضعفاً.
التحديات البنيوية بلا حلول جذرية
رغم كل ما يقال عن “تقدم الإصلاحات”، لم يلمس الأردنيون تحسناً حقيقياً في مستويات المعيشة أو فرص العمل. الاقتصاد الأردني ما زال رهينة لتحويلات الخارج والمساعدات، والقطاع الخاص لم يتحول بعد إلى قاطرة نمو حقيقية. أما الحديث عن إدماج الصحة العامة والتغير المناخي في برامج التمويل، فيبقى في إطار الشعارات ما لم يُترجم إلى سياسات إنتاجية واستثمارية تخلق فرص عمل وتحقق تنمية مستدامة.
خلاصة نقدية
الاتفاق الجديد مع صندوق النقد ليس إنجازاً اقتصادياً بقدر ما هو استمرار لنهج الارتهان للتمويل الخارجي والاشتراطات الدولية. المطلوب اليوم إصلاحات جذرية تعالج بنية الاقتصاد الأردني من الداخل، وتعيد الاعتبار للعدالة الاجتماعية، بدلاً من الاكتفاء بمسكنات مالية قد تزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي والاجتماعي في المستقبل القريب.











