في خطوة جديدة ضمن سلسلة اتفاقيات مع مستثمرين أجانب، وقعت الحكومة المصرية الاتفاقية النهائية مع مجموعة موانئ أبوظبي لتطوير منطقة صناعية ولوجيستية تحت اسم “كيزاد بورسعيد” على مساحة 20 كيلومتر مربع شرق بورسعيد. ورغم الترويج الرسمي لهذا المشروع كرافعة لجذب الاستثمارات الأجنبية ودعم تنافسية الموانئ المصرية، إلا أن هذه الخطوة تثير تساؤلات حقيقية حول جدوى الاعتماد المفرط على الاستثمارات الخارجية، وشروطها، وتأثيرها على السيادة الاقتصادية للبلاد.
هيمنة إماراتية متزايدة على الموانئ المصرية
الاتفاقية تأتي في سياق توسع نفوذ مجموعة موانئ أبوظبي في إدارة وتشغيل عدد من أهم الموانئ المصرية، من العين السخنة إلى الميناء النهري في المنيا، ما يمنح الشركة الإماراتية دوراً محورياً في قطاع النقل البحري واللوجيستي المصري لعقود قادمة. هذا التمركز يثير مخاوف من احتكار طرف خارجي لمفاصل استراتيجية في الاقتصاد المصري، خاصة مع منح إدارة بعض الموانئ لثلاثة عقود متتالية، وهو ما وصفه خبراء بأنه “احتكار مريب” قد يهدد القرار السيادي المصري في إدارة موارده الحيوية.
الاستثمار الأجنبي: حل للأزمة أم مسكن مؤقت؟
تعاني مصر من أزمة اقتصادية حادة، مع تضاعف الدين الخارجي وتراجع الاحتياطي النقدي، ما يدفع الحكومة للبحث عن حلول سريعة عبر جذب استثمارات خارجية ضخمة. ورغم أن الدراسات تشير إلى أن الاستثمار الأجنبي المباشر قد يسهم في خلق فرص عمل وتخفيف البطالة، إلا أن أثره غالباً ما يكون محدوداً، خاصة إذا تركز في قطاعات كثيفة رأس المال أو ظل خاضعاً لشروط المستثمر الأجنبي. التجارب السابقة، مثل مشروع العاصمة الإدارية، أظهرت أن التعويل على تعهدات خارجية دون ضمانات واضحة قد يؤدي إلى تبخر الوعود وتفاقم الأعباء المالية على الدولة.
مخاطر التبعية الاقتصادية وتآكل القرار الوطني
تسارع الحكومة المصرية في منح امتيازات طويلة الأجل لشركات أجنبية في قطاعات استراتيجية، من دون شفافية كافية حول بنود العقود أو ضمانات نقل التكنولوجيا وتوطين الصناعة، يعزز من مخاطر التبعية الاقتصادية ويحد من قدرة الدولة على التحكم في مواردها الحيوية. كما أن الاعتماد على الاستثمارات الخارجية كحل سريع للأزمة النقدية، دون إصلاحات هيكلية حقيقية، قد يتحول إلى “مسكن مؤقت” بدلاً من أن يكون رافعة لتنمية مستدامة.
بينما تروج الحكومة لمشروع “كيزاد بورسعيد” كإنجاز اقتصادي، يبقى السؤال الجوهري: هل نحن أمام استثمار يحقق تنمية حقيقية ويعزز الاستقلال الاقتصادي، أم أمام تنازل تدريجي عن مفاتيح الاقتصاد الوطني لصالح قوى خارجية؟ إن غياب الشفافية، وضعف شروط نقل التكنولوجيا، وطول أمد الامتيازات الممنوحة، كلها مؤشرات تدعو لإعادة تقييم استراتيجية الاعتماد على الاستثمار الأجنبي المباشر، قبل أن يتحول إلى عبء جديد على كاهل الاقتصاد المصري المنهك.











