في الوقت الذي يحتفي فيه الإعلام الرسمي السعودي بقفزة معدلات التوظيف في القطاع الخاص غير النفطي، والتي بلغت أعلى مستوياتها منذ أكثر من عشر سنوات، يكشف التعمق في بيانات مؤشر مديري المشتريات عن صورة أقل إشراقًا مما تروج له السلطات. فقد سجل المؤشر 55.6 نقطة في أبريل 2025، وهو ما يشير إلى استمرار النمو، لكنه في الواقع يمثل تراجعًا حادًا عن مستوى مارس البالغ 58.1 نقطة، ويعد الأدنى منذ أغسطس 2024.
ورغم أن نمو التوظيف جاء مدفوعًا بارتفاع المبيعات وزيادة النشاط الاقتصادي، إلا أن التراجع الحاد في المؤشر يعود بالأساس إلى انخفاض الطلبات الجديدة بأكثر من أربع نقاط، ما يعكس هشاشة الطلب المحلي وتزايد الضغوط التنافسية على الشركات السعودية. ويشير خبراء الاقتصاد إلى أن هذا التباطؤ في نمو الطلبات الجديدة للشهر الثالث على التوالي يثير تساؤلات حول استدامة النمو المزعوم، خاصة في ظل حالة عدم اليقين الاقتصادي العالمي وتأثيرها على إنفاق العملاء.
وفي الوقت الذي تروج فيه الحكومة لنجاحات رؤية 2030 وتنويع الاقتصاد بعيدًا عن النفط، تظهر البيانات أن وتيرة نمو الإنتاج في الشركات غير النفطية كانت الأبطأ منذ سبعة أشهر، ما يفضح محدودية أثر السياسات الحكومية في ظل الاعتماد المستمر على محفزات خارجية مثل ارتفاع السياحة والمشاريع المؤقتة. كما أن ارتفاع التوظيف ترافق مع تضخم غير مسبوق في تكاليف الأجور، ما قد ينذر بموجة تضخمية جديدة تهدد استقرار السوق المحلي.
جدير بالذكر ان مؤشر مديري المشتريات هو مقياس اقتصادي يُستخدم لقياس أداء القطاع الخاص غير النفطي، ويعتمد على استطلاعات رأي لمديري المشتريات في الشركات حول أوضاع الطلبيات الجديدة، والإنتاج، والتوظيف، والأسعار. عندما يكون المؤشر فوق مستوى 50 نقطة، فهذا يشير إلى نمو، أما إذا انخفض عن هذا المستوى فهو يدل على انكماش. وبالتالي، فإن التراجع الحالي في المؤشر رغم بقائه فوق مستوى 50 يعكس تباطؤًا في وتيرة النمو وليس انكماشًا، لكنه يسلط الضوء على تحديات حقيقية في الاقتصاد السعودي.
إن قراءة متأنية للمؤشر تكشف أن النمو الحالي هش ومعتمد على عوامل مؤقتة، بينما تتجاهل الرواية الرسمية المخاطر الحقيقية التي تهدد الاقتصاد السعودي، وعلى رأسها ضعف الطلب المحلي وتزايد المنافسة والضبابية الاقتصادية العالمية. فهل تكفي أرقام التوظيف وحدها لإخفاء علامات التراجع؟ أم أن النظام السعودي يكتفي بتلميع المؤشرات السطحية دون معالجة جذور الأزمة الاقتصادية؟











