في راجستان، لم يعد الحب أعمى فقط، بل بات يرتدي بدلة Armani، ويقود سيارة Bentley، ويطلب مهراً عقارياً على مساحة تكفي لبناء مطار دولي! في الهند حيث العروس تأتي بـ”داهيج” أثقل من ذهب موغال، قد يبدو لك أن الزواج صفقة تجارية أكثر منه ارتباطاً روحياً.
هذه الحالة المدهشة – أو المدهِشة – لامرأة دفعت 2.6 مليون دولار مهراً، تكشف لنا كيف تحوّل حفل الزفاف من “ليلة العمر” إلى “صفقة العمر”.
في هذا التقرير، نغوص في طقوس الزواج الهندوسي، ونفكك تعقيدات المهر الذي صار في بعض المناطق أغلى من متوسط سعر نادي كريكت محترف.
في ظل حالة الجدل التي أثارتها امرأة هندية من ولاية راجستان بعد تقديمها مهراً قياسياً بلغت قيمته 2.6 مليون دولار، تتجلى التعقيدات الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بتقاليد الزواج الهندوسي.
هذه الممارسة التي تبدو للوهلة الأولى كتعبير عن التكريم العائلي، تخفي تحتها طبقات من التحديات الهيكلية التي تعكس صراعاً بين الموروث الثقافي ومتطلبات الحداثة.
تُظهر البيانات الميدانية أن قيمة المهر في هذه الولاية شهدت ارتفاعاً بنسبة 47% خلال العقد الماضي، وفقاً لتقارير وزارة شؤون المرأة والتنمية الطفل الهندية، حيث تحولت من مجرد هدايا رمزية إلى صفقات عقارية معقدة تشمل محطات وقود وأراضٍ زراعية تصل مساحتها إلى نصف مليون متر مربع.
يرجع أصل نظام المهر في التقاليد الهندوسية إلى مفهوم “ستريدهان” المذكور في النصوص الفيدية، والذي كان يُقصد به توفير حماية اقتصادية للمرأة بعد الزواج.
لكن التحول الدراماتيكي حدث مع دخول الاستعمار البريطاني، حيث تحولت هذه الممارسة إلى أداة ضغط اجتماعي، خاصة في طبقات التجار الأثرياء الذين حولوها إلى منافسة على المكانة الاجتماعية.
اليوم، تشير تقديرات جامعة دلهي إلى أن 78% من الأسر الهندية في المناطق الحضرية لا تزال تلتزم بهذا التقليد رغم حظره القانوني منذ 1961، مع تفاوتات كبيرة بين الولايات، حيث تحتل راجستان الصدارة بنسبة 92% من حالات المهر المرتفع.
لا تقتصر تأثيرات هذه الظاهرة على الجانب الاقتصادي، بل تمتد إلى البنية الديموغرافية للمجتمع. ففي قرية شيكاساني بمنطقة مارفار، حيث سُجلت أعلى قيمة للمهر عام 2025، انخفضت نسبة الإناث إلى 801 لكل 1000 ذكر، مقارنة بالمعدل الوطني البالغ 929.
يُعزى هذا الاختلال إلى الضغوط المالية التي تدفع الأسر إلى تفضيل الأبناء الذكور، مما أدى إلى انتشار ممارسات غير قانونية مثل تحديد جنس الجنين.
من جهة أخرى، تُظهر دراسة أجراها المعهد الوطني للصحة العامة أن 63% من حالات العنف الأسري المبلغ عنها في راجستان بين 2020-2024 كانت مرتبطة مباشرة بنزاعات حول المهر، مع وجود 12% من هذه الحالات تشمل مطالبات بإضافة ممتلكات بعد الزواج.
على الصعيد القانوني، يواجه تطبيق قانون حظر المهر تحديات جذرية. فبحسب السجلات القضائية، لم تتجاوز نسبة الإدانات في قضايا المهر 0.7% عام 2024، بسبب صعوبات إثبات تلقي المهر في 89% من الحالات.
تظهر تقارير منظمة “هيومن رايتس ووتش” أن 45% من الضحايا يتراجعون عن الشكاوى بسبب الضغوط العائلية، بينما تلجأ 33% من الأسر إلى أساليب ملتوية مثل تسجيل الممتلكات بأسماء أقارب العريس.
هذه الثغرات دفعت مجلس السياسات الوطنية إلى اقتراح تعديلات تشريعية عام 2023 تشمل إلزامية تسجيل عقود الزواج وإثبات مصادر الثروة، لكن التنفيذ لا يزال بطيئاً بسبب مقاومة التيارات المحافظة.
في المقابل، برزت حركات اجتماعية تحاول كسر هذه الدائرة. حملة “لا للمهر” التي أطلقها طلاب جامعة دلهي عام 2023 نجحت في جذب 120 ألف شاب وشابة للتوقيع على تعهد برفض المهر، بينما سجلت منصات الزواج الإلكترونية الخالية من المهر نمواً بنسبة 58% في قاعدة المستخدمين.
النموذج الأكثر إلهاماً جاء من الشاب بارامفير راثور الذي أثار موجة إعجاب بعد رفضه مهراً قيمته 5.51 لاك روبية، قائلاً: “الكرم الحقيقي لا يُقاس بوزن الذهب بل بقلب الإنسان”.
هذه المبادرات تعكس تحولاً جيلياً، حيث أظهر استطلاع مركز بيو للأبحاث أن 67% من الهنود تحت سن 35 عاماً يؤيدون إلغاء المهر، مقارنة بـ 29% فقط بين من تجاوزوا الستين.
التحدي الأكبر يكمن في إعادة تعريف الموروث الثقافي دون المساس بالهوية. بعض المجتمعات القروية في كيرالا بدأت تحول المهر إلى “هبة تعليمية” تُسجل باسم العروس مباشرة، بينما طورت مجتمعات الجاين في غوجارات نظام “المهر العكسي” حيث يقدم العريس هدايا رمزية لعائلة العروس.
هذه النماذج البديلة، رغم محدودية انتشارها، تقدم أملاً في التوفيق بين التقاليد والقيم الحديثة.
في النهاية، فإن حل إشكالية المهر يتطلب أكثر من إصلاحات قانونية؛ إنه بحاجة إلى ثورة ثقافية تعيد تعريف مفهوم الكرامة الإنسانية في إطار التعددية الهندية الفريدة.










