في مشهد يعكس هشاشة التحالفات الدولية، تتكشف ملامح توجه روسي متنامٍ للاستغناء عن إيران كورقة تفاوضية في المباحثات النووية الجارية – أو المجمدة مؤقتًا – بين طهران وواشنطن، والتي بدأت في أبريل/نيسان 2025 بمحادثات سرية في سلطنة عُمان وإيطاليا.
وعلى الرغم من رفض إيران السابق للتفاوض مع إدارة ترامب، إلا أن التهديدات العسكرية الأمريكية دفعت القيادة الإيرانية إلى مراجعة موقفها، على أمل تفادي ضربة مشتركة أمريكية-إسرائيلية تستهدف منشآتها النووية.
التحولات في موقف ترامب: بين التصعيد والحوار
الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، المعروف بموقفه العدائي تجاه الاتفاق النووي الموقع عام 2015 (خطة العمل الشاملة المشتركة – JCPOA)، أعاد خلط أوراق المشهد السياسي بإظهار انفتاح مفاجئ للتفاوض مع طهران، رغم معارضة إسرائيل. ويبدو أن التحول في موقف ترامب يستند إلى اعتبارات استراتيجية أوسع تهدف إلى:
كسر التحالف الروسي–الإيراني، في إطار سياسة “فرّق تسد” تجاه آسيا.
ضبط التوازن البحري والجغرافي من مضيق هرمز إلى باب المندب.
تفكيك برنامج إيران الصاروخي بعيد المدى، بما يتوافق مع معايير نظام مراقبة تكنولوجيا الصواريخ.
إيران: في مرمى التسويات الكبرى
تدرك طهران أن موسكو، رغم توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية معها عام 2025، قد لا تتوانى عن استخدام علاقتها بها كورقة تفاوضية أو حتى التخلي عنها بالكامل إذا تطلبت مصالحها مع الغرب ذلك. وتاريخ العلاقات الروسية–الإيرانية حافل بالأمثلة التي عززت مشاعر عدم الثقة، من دعم روسيا للعقوبات الأممية السابقة، إلى وقوفها جانبًا أثناء الهجمات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية في سوريا، بحسب موقع “ريال كلير ديفينس”
ووفق استطلاعات للرأي أُجريت داخل إيران، ينظر أكثر من نصف الإيرانيين إلى روسيا كدولة غير جديرة بالثقة. ويغذي هذا التصور التاريخ الإمبريالي لروسيا القيصرية والسوفيتية في بلاد فارس، والخذلان المتكرر من الحلفاء في لحظات حاسمة.
موسكو: تقاطع المصالح مع واشنطن وتل أبيب
رغم دعم روسيا الظاهري لإيران في محافل متعددة، فإن التطورات الأخيرة تشير إلى إمكانية مقايضتها مصالح طهران مقابل صفقة استراتيجية مع الولايات المتحدة، تشمل:
تفاهمات إقليمية بشأن الملف الأوكراني مقابل تساهل أمريكي في ملفات أخرى.
تحسين العلاقات مع إسرائيل، عبر تقديم تنازلات استخباراتية أو لوجستية كما حدث في سوريا.
ضمان دعم دول الخليج العربي لاقتصاد روسيا عبر أوبك أو الاستثمار المباشر.
الحسابات الإيرانية: بين الاستقلال والتحالفات الهشة
رغم محاولات إيران التوازن بين روسيا والصين، إلا أن افتقارها لتحالفات أمنية عميقة يزيد من قابليتها للتخلي في أية تسوية كبرى. ورغم تقديمها مساعدات عسكرية لموسكو في حرب أوكرانيا، فإن طهران تخشى أن تكون مجرد أداة مؤقتة ضمن مشروع روسي أكبر لا يشملها في نتائجه النهائية.
وتسود مخاوف داخل أروقة الحكم في طهران من أن يؤدي اتفاق جديد مع واشنطن إلى نزع القدرة الصاروخية الإيرانية دون الحصول على ضمانات أمنية كافية. كما أن التفكك الإقليمي في محيط إيران – من تراجع النفوذ في سوريا والعراق، إلى العزلة في الخليج – يعزز من هشاشة موقفها التفاوضي.
اتفاق نووي على حساب طهران؟
في حال قررت موسكو عقد صفقة شاملة مع واشنطن تتعلق بأوكرانيا أو تخفيف الضغط الغربي، فإن إيران قد تُدفع إلى الخلفية أو تُستخدم كورقة ضغط لا أكثر. ورغم التطمينات الروسية العلنية، فإن الحسابات الواقعية، وذاكرة الإيرانيين التاريخية، تؤكد أن طهران لا تحتل موقعًا غير قابل للتفاوض في ميزان المصالح الروسية.
في النهاية، يبدو أن مصير الاتفاق النووي الجديد لا يُحدد فقط بين طهران وواشنطن، بل على طاولة موسكو أيضاً، التي قد تجد في “التضحية التكتيكية” بإيران طريقًا نحو مكاسب استراتيجية أوسع.