في مشهد غير مألوف من قلب الشرق الأوسط، خطف الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني الأضواء بمقطع فيديو استثنائي وهما يمارسان كرة السلة بالزي الرسمي، على أنغام موسيقى حماسية وتحت عنوان لافت: “على هامش معركة بناء وطننا”.
لم يكن هذا الظهور مجرد لحظة ترفيهية، بل بدا كأنه مشهد محسوب بعناية في توقيت دبلوماسي حساس، قبيل زيارة مرتقبة إلى باريس تُعد الأولى من نوعها لمسؤول سوري بهذا المستوى منذ سنوات.
الفيديو الذي انتشر كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي، لم يُقرأ فقط كمحاولة لتقديم صورة شابة وحديثة للقيادة السورية، بل فُسّر أيضًا كرسالة مشفّرة بأن “الكرة الآن في ملعب سوريا”.
ومع تزامن هذا الظهور مع إعلان الإليزيه عن استقبال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للشرع، تحوّلت لقطات السلة إلى مادة دسمة للتحليل السياسي، تكشف عن محاولة مدروسة لإعادة تموضع دمشق على الخريطة الدولية.
بين الرياضة والسياسة، وبين اللقطة الاستعراضية والتحول الاستراتيجي، يفتح هذا الفيديو بابًا واسعًا للتساؤل: هل نحن أمام بداية نهج جديد للخطاب السوري؟ وهل تكون “دبلوماسية السلة” بوابة العبور نحو سوريا جديدة؟
ظهر الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع ووزير خارجيته أسعد الشيباني في مقطع فيديو لافت للأنظار وهما يمارسان رياضة كرة السلة بالملابس الرسمية، في مشهد غير تقليدي للقادة السياسيين، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط.
أثار هذا المقطع المصور، الذي نشره وزير الخارجية السوري الشيباني عبر حسابه الرسمي على موقع “إنستغرام” تحت عنوان “على هامش معركة بناء وطننا”، موجة من التفاعلات والتحليلات السياسية حول الرسائل المبطنة التي قد يحملها هذا الظهور.
استعرض الشرع والشيباني مهاراتهما في التحكم بالكرة وتسديد الرميات الناجحة على أنغام موسيقى حماسية توحي بأجواء رياضية احتفالية، فيما اعتبره متابعون محاولة لإظهار جانب مختلف من قيادة البلاد وسط أجواء إقليمية متوترة.
الفيديو الذي انتشر على نطاق واسع أظهر كلا المسؤولين يسددان عددًا من الرميات الناجحة نحو السلة بدقة وإحكام بينما يرتديان الزي الرسمي وربطات العنق، في مشهد أثار اهتمامًا سياسيًا وإعلاميًا واسعًا.
تباينت التعليقات على المقطع بين من قرأه على أنه رسالة للتشجيع على الرياضة والقرب من الشباب، وبين من رأى أن فيه رسائل سياسية عميقة.
قال أحد المتابعين معلقًا على الفيديو: “البعض كان يصور لنا أن الرئيس الشرع ومن حوله يعيشون في الكهوف، بعيدين عن الحياة والأنشطة الاجتماعية، منغلقين إلى حد الجمود”.
بينما كتب آخر: “في السياسة، ما في شي عبثي أو صدفة، كلو رسائل، والرسالة كانت: سوريا مو ملعب حدا ولا لعبة بإيد حدا، الأرض أرضنا، والكرة بملعبنا”.
ويأتي هذا الظهور الرياضي للقيادة السورية في توقيت لافت، حيث أعلن قصر الإليزيه الفرنسي، يوم الثلاثاء، أن الرئيس إيمانويل ماكرون سيستقبل في باريس يوم الأربعاء أحمد الشرع، في أول زيارة للرئيس السوري الانتقالي إلى أوروبا.
وفقًا للرئاسة الفرنسية، سيؤكد ماكرون خلال هذا اللقاء دعم فرنسا “لبناء سوريا جديدة، سوريا حرّة ومستقرّة وذات سيادة تحترم كلّ مكوّنات المجتمع السوري”.
محللون سياسيون رأوا في توقيت نشر الفيديو والزيارة المرتقبة تلازمًا مقصودًا، فقد كتب الصحفي قتيبة ياسين: “الحرقان الذي تسببه مقاطع الرئيس السوري لمنصات الإعلام الإماراتي والإيراني بفروعه اللبنانية والعراقية، يدفعهم للخروج عن طورهم”.
ورأى آخرون أن الشرع اختار الظهور بالملابس الرسمية وهو يلعب كرة السلة لإيصال رسالة مفادها أنه “مازال الرابح الأول في سورية، خصوصًا بعد عودة وزير خارجيته من رحلة موفقة سياسيًا من نيويورك”.
وكان ماكرون قد وجه في بداية فبراير (شباط) دعوة إلى الرئيس السوري الانتقالي لزيارة فرنسا، قبل أن يقرن هذه الدعوة في نهاية مارس (آذار) بشرط تشكيل حكومة سورية تضم “كل مكوّنات المجتمع المدني” وضمان الأمن لعودة اللاجئين السوريين.
أضافت الرئاسة الفرنسية أن “هذا اللقاء يندرج في إطار التزام فرنسا التاريخي تجاه السوريين الذين يتطلّعون إلى السلام والديمقراطية”.
هذه الزيارة تحمل أهمية خاصة كونها تمثل أول تواصل رسمي رفيع المستوى مع دولة أوروبية منذ تولي الشرع السلطة في دمشق، ويسعى من خلالها الرئيس السوري الانتقالي لرفع العقوبات المفروضة على سوريا حين كانت لا تزال تحت حكم بشار الأسد، بهدف تحقيق انطلاقة جديدة نحو تعافي الاقتصاد السوري.
ومنذ توليه السلطة، يحاول الشرع تقديم صورة مطمئنة للمجتمع الدولي الذي يحثه على احترام الحريات وحماية الأقليات. لكن المجتمع الدولي يراقب بحذر التطورات في سوريا، خاصة في ظل التوترات الطائفية المتصاعدة في بعض المناطق مثل صحنايا وجرمانا، حيث دعت السفارة الأمريكية إلى محاسبة جميع المتورطين في أعمال العنف الأخيرة.
يأتي ظهور الشرع والشيباني في ملعب كرة السلة في سياق متصل بالتطورات الإقليمية الأخرى، حيث كشفت تقارير عن لقاء سري جمع شخصيات سورية وإسرائيلية في عاصمة أوروبية، فضلاً عن تصاعد الهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية التي طالت مؤخرًا مناطق قرب القصر الرئاسي في دمشق.
هذه التطورات تجعل من دبلوماسية كرة السلة التي يمارسها الشرع والشيباني أداة للتواصل غير المباشر مع مختلف الأطراف الداخلية والخارجية.
وعلى الرغم من الانتقادات التي طالت الفيديو، بما في ذلك الشكوك حول مدى طبيعية الاحترافية العالية في اللعب وعدم فشل أي كرة في الوصول إلى الهدف، إلا أن هذا النمط من الظهور يعكس تحولاً في أسلوب القيادة السورية التي تسعى إلى تقديم نفسها بشكل مختلف عن الصورة النمطية للقيادات السياسية الشرق أوسطية.
ختامًا، يبدو أن “دبلوماسية كرة السلة” التي انتهجها الشرع والشيباني قبل الزيارة المرتقبة إلى باريس تحمل في طياتها رسائل متعددة المستويات، تجمع بين الاستعراض الرياضي البسيط والدلالات السياسية العميقة، في وقت يسعى فيه الرئيس السوري الانتقالي لإعادة موقع سوريا على الخريطة الدولية وفتح صفحة جديدة في علاقاتها مع الغرب.










