أعلنت السلطات النقدية الصينية عن حزمة واسعة من الإجراءات النقدية في محاولة لدعم الاقتصاد الوطني الذي يواجه تحديات متزايدة، أبرزها ضعف الاستهلاك المحلي وتصاعد التوترات التجارية مع الولايات المتحدة. وتأتي هذه الخطوات في وقت يسعى فيه صناع القرار في بكين إلى الحفاظ على زخم النمو الاقتصادي وتحفيز الطلب المحلي، خاصة في ظل استمرار أزمة القطاع العقاري وتراجع الصادرات بفعل الرسوم الجمركية الأمريكية المرتفعة.
خفض معدلات إعادة الشراء العكسي والفائدة الأساسية
قرر بنك الشعب الصيني تخفيض معدل إعادة الشراء العكسي لأجل سبعة أيام بمقدار عشر نقاط أساس ليصل إلى واحد وأربعة من عشرة في المئة، في خطوة تهدف إلى تقليل تكلفة الاقتراض قصيرة الأجل للبنوك وتعزيز السيولة في النظام المالي. ويعد هذا التخفيض الأول منذ سبتمبر ألفين وأربعة وعشرين، ويأتي في سياق سياسة نقدية أكثر تيسيراً لمواجهة الضغوط الاقتصادية المتزايدة.
تخفيض نسبة الاحتياطي الإلزامي للبنوك
أعلن البنك المركزي أيضاً عن خفض نسبة الاحتياطي الإلزامي للبنوك بمقدار خمسين نقطة أساس بدءاً من الخامس عشر من مايو ألفين وخمسة وعشرين. من المتوقع أن يؤدي هذا الإجراء إلى ضخ سيولة إضافية تقدر بنحو تريليون يوان أي ما يعادل مئة وثمانية وثلاثين مليار دولار في الأسواق، ما يمنح البنوك قدرة أكبر على الإقراض ودعم الاستثمار والاستهلاك.
وقد استثنى البنك المؤسسات المالية التي تطبق بالفعل نسبة احتياطي إلزامي عند خمسة في المئة، بينما تم تخفيض النسبة إلى الصفر لشركات تمويل السيارات والتأجير المالي، في محاولة لتعزيز تمويل الاستهلاك والاستثمار في المعدات والتقنيات الحديثة.
خفض معدلات الفائدة على الرهن العقاري والقروض العقارية
في ظل استمرار أزمة القطاع العقاري، قرر بنك الشعب الصيني خفض معدلات الفائدة على الرهن العقاري المرتبط بصندوق الادخار السكني بمقدار خمس وعشرين نقطة أساس. كما تم تخفيض معدل الفائدة على القروض لمدة خمس سنوات لمشتري المنازل لأول مرة إلى اثنين وستة من عشرة في المئة، نزولاً من اثنين وخمسة وثمانين من عشرة في المئة، بهدف تحفيز الطلب على الإسكان ودعم تعافي سوق العقارات.
سياسات داعمة للقطاعات الحيوية وتوقعات بمزيد من التيسير
إلى جانب هذه الإجراءات، أعلنت السلطات عن مبادرات لدعم تمويل القطاعات الحيوية مثل التكنولوجيا والرعاية الصحية والاستهلاك، بما في ذلك تأسيس تسهيلات إعادة إقراض منخفضة التكلفة لهذه القطاعات. كما تم توسيع برامج دعم الزراعة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة.
ويرى محللو بنك آي إن جي أن الاقتصاد الصيني لا يزال يتأثر بصدمة الرسوم الجمركية الأمريكية، وأن هناك مجالاً لمزيد من التيسير النقدي خلال العام الجاري، مع توقعات بتخفيضات إضافية في معدلات الفائدة ونسبة الاحتياطي الإلزامي.
خلفية اقتصادية وضغوط متزايدة
تأتي هذه الخطوات في ظل تباطؤ واضح في النمو الاقتصادي الصيني، حيث لا يزال الاستهلاك المحلي ضعيفاً بعد جائحة كورونا، ويعاني القطاع العقاري من أزمة ممتدة، إضافة إلى تراجع الطلب العالمي على المنتجات الصينية. وقد فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية مرتفعة على العديد من السلع الصينية، وردت بكين برسوم انتقامية على واردات أمريكية، ما زاد من الضغوط على الاقتصاد الصيني الذي يستهدف تحقيق نمو بنحو خمسة في المئة في عام ألفين وخمسة وعشرين.
خلاصة
تمثل الإجراءات النقدية الأخيرة من بنك الشعب الصيني واحدة من أكثر الخطوات جرأة منذ سبتمبر الماضي، وتعكس إدراك السلطات لحجم التحديات الداخلية والخارجية التي تهدد استقرار ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وبينما تهدف هذه السياسات إلى تعزيز السيولة وتحفيز الطلب ودعم القطاعات الحيوية، يرى مراقبون أن استمرار الضغوط قد يدفع بكين إلى المزيد من التيسير النقدي خلال الأشهر المقبلة إذا لم تظهر مؤشرات واضحة على التعافي.











