في خطوة أثارت جدلاً واسعاً بين خبراء الاقتصاد والمراقبين السياسيين، أظهرت الأسواق المالية الهندية تماسُكاً لافتاً رغم التصعيد العسكري الخطير مع باكستان، متجاهلةً بذلك المخاطر الجيوسياسية الحقيقية التي قد تهدد استقرار الاقتصاد الهندي في أي لحظة. هذا التجاهل يطرح تساؤلات حول مدى واقعية ثقة المستثمرين المحليين والأجانب، ومدى استعداد الاقتصاد الهندي فعلاً لمواجهة تداعيات أي تصعيد عسكري واسع النطاق.
تجاهل مقلق للمخاطر الجيوسياسية
شهدت الأيام الأخيرة تصعيداً عسكرياً غير مسبوق بين الهند وباكستان، حيث نفذت الهند ضربات عسكرية داخل الأراضي الباكستانية، وردت إسلام آباد بإسقاط طائرات هندية وفرض قيود على المجال الجوي والتجارة. ورغم هذه التطورات الخطيرة، لم تُبدِ مؤشرات الأسهم الهندية سوى تراجع طفيف في بداية التداولات، قبل أن تعود للاستقرار وكأن شيئاً لم يكن.
هذا الأداء “المتماسك” قد يبدو للوهلة الأولى علامة على قوة الاقتصاد الهندي، لكنه في الواقع يعكس نوعاً من التجاهل أو حتى الإنكار للمخاطر الحقيقية التي تلوح في الأفق.
ثقة مفرطة أم قصر نظر؟
يبرر بعض المحللين تماسُك الأسواق الهندية بالثقة في الأسس الاقتصادية والإصلاحات الهيكلية، إضافة إلى الطلب المحلي القوي. إلا أن هذه المبررات تبدو سطحية إذا ما قورنت بحجم التهديدات، خاصة أن أي تصعيد عسكري شامل قد يؤدي إلى هروب رؤوس الأموال الأجنبية، وارتفاع تكلفة التأمين على الديون السيادية، وتراجع الروبية بشكل حاد، فضلاً عن تعطل سلاسل الإمداد والاستثمار.
من اللافت أن الأسواق الباكستانية، رغم هشاشتها، أظهرت رد فعل أكثر واقعية، حيث هبط مؤشر “كيه إس إي 30” بنسبة 6.1% فور التصعيد، في حين بقيت الأسواق الهندية أسيرة التفاؤل المفرط.
هل الإصلاحات الاقتصادية كافية لامتصاص الصدمات؟
يرى بعض الخبراء أن الإصلاحات الاقتصادية التي نفذتها الحكومة الهندية في السنوات الأخيرة عززت مناعة الاقتصاد، إلا أن هذه المناعة لم تُختبر بعد في ظل أزمة جيوسياسية حادة بهذا الحجم. ويخشى مراقبون من أن يؤدي أي تصعيد طويل الأمد إلى استنزاف الموارد، وزيادة الإنفاق العسكري على حساب التنمية والاستثمار، ما قد ينعكس سلباً على معدلات النمو وفرص العمل.
تحذيرات من “فقاعة ثقة”
يحذر محللون من أن تجاهل الأسواق الهندية للتوترات مع باكستان قد يكون أشبه بـ”فقاعة ثقة” سرعان ما تنفجر إذا ما خرجت الأمور عن السيطرة. فالتاريخ القريب يشير إلى أن الأزمات الجيوسياسية غالباً ما تترك آثاراً عميقة على الاقتصادات الناشئة، حتى وإن بدا تأثيرها محدوداً في البداية.
خلاصة نقدية
تُظهر الأسواق الهندية تماسُكاً قد يبدو مثيراً للإعجاب، لكنه في جوهره يعكس ثقة مفرطة وربما إنكاراً للمخاطر الحقيقية. وفي ظل التصعيد العسكري مع باكستان، تبدو الحاجة ملحة لإعادة تقييم المخاطر وتبني سياسات أكثر واقعية، بعيداً عن التفاؤل غير المبرر الذي قد يكلف الاقتصاد الهندي ثمناً باهظاً في حال انفجار الأزمة.











