تداعيات الحرب المحتملة بين الهند وباكستان على اقتصاد دول الخليج العربي
يشهد العالم تصعيداً عسكرياً خطيراً بين الهند وباكستان، مع تبادل الضربات العسكرية في أعقاب هجوم إرهابي وقع في كشمير. هذا التصعيد يهدد باشتعال حرب شاملة بين قوتين نوويتين، ولا يقتصر تأثيره على جنوب آسيا فحسب، بل يلقي بظلاله على المصالح الاقتصادية لدول الخليج العربي المرتبطة بعلاقات وثيقة مع البلدين. يعيش نحو 9 ملايين هندي و3 ملايين باكستاني في دول الخليج، ويشكلون شريان حيوي في اقتصاداتها، كما أن حجم التبادل التجاري والاستثمارات المتبادلة يجعل المنطقة عرضة لتأثيرات مباشرة وغير مباشرة في حال اندلاع صراع عسكري واسع.
العمالة الآسيوية في الخليج: قوة اقتصادية تحت التهديد
تمثل العمالة الهندية والباكستانية عصب الاقتصاد الخليجي، حيث تساهم بشكل كبير في قطاعات حيوية متعددة من البناء والتشييد إلى الخدمات والتجارة. وتشكل هذه الكتلة البشرية القادمة من شبه القارة الهندية أهمية استراتيجية للدول المضيفة والمرسلة على حد سواء.
حجم الوجود الهندي والباكستاني
يعتبر الهنود من أكبر الجاليات التي تعيش وتعمل في دول الخليج، إذ يعيش ما يقرب من 9 ملايين هندي في دول مجلس التعاون الخليجي، وهم يشكلون أكبر جالية هندية تعيش في خارج البلاد. ووفق الإحصائيات، يتوزع الهنود بواقع 3.5 مليون في الإمارات، و2.5 مليون في السعودية، ونحو مليون في الكويت، و780 ألفاً في عُمان، و760 ألفاً في قطر، و330 ألفاً في البحرين.
يعمل نحو 70% من العمالة الهندية في الخليج في قطاعات البناء والأعمال الفنية والخدمات المنزلية والسياقة، بالإضافة إلى المجالات الهندسية التقنية وريادة الأعمال والتجارة. وخلال لقائه مع رئيس وزراء الهند في سبتمبر 2023، أكد ولي العهد السعودي أن الجالية الهندية تلعب دوراً كبيراً في النمو الاقتصادي بالمملكة، وتمثل 7% من التعداد السكاني.
أهمية العمالة الآسيوية للاقتصاد الخليجي
شهدت المجتمعات الخليجية موجات هائلة من هجرة العمالة الآسيوية منذ منتصف السبعينات عقب الطفرة النفطية، حيث ساهمت بشكل رئيسي في تشييد البنى التحتية والهياكل الاقتصادية. ومع صغر حجم قوة العمل الوطنية، كان لابد من جلب أيدٍ عاملة كثيرة ومتنوعة التخصصات والمهارات.
تعتمد دول الخليج بشكل كبير على العمالة الآسيوية في قطاعات حيوية مثل البناء والتشييد والصناعة والخدمات، وبالتالي فإن أي اضطراب في تدفق هذه العمالة نتيجة للحرب سيكون له تأثير مباشر على الأنشطة الاقتصادية في المنطقة، وقد يؤدي إلى تأخير في المشاريع التنموية الكبرى.
تدفقات التحويلات المالية: شريان اقتصادي مهدد
تشكل التحويلات المالية من العاملين في دول الخليج إلى بلدانهم الأصلية رافداً اقتصادياً مهماً لكل من الهند وباكستان، وأي اضطراب في هذه التدفقات نتيجة للصراع سيكون له تداعيات اقتصادية واسعة.
حجم التحويلات وأهميتها الاقتصادية
وفقاً للإحصاءات، ترسل الجالية الهندية في دول الخليج حوالي 89 مليار دولار سنوياً إلى الهند، وهو ما يمثل 65% من إجمالي تحويلات الهنود في الخارج. وتاريخياً، تمثل دول مجلس التعاون الخليجي 30% من إجمالي التحويلات الخاصة بالهنود العاملين بالخارج.
أما بالنسبة لباكستان، فتشكل تحويلات مواطنيها العاملين في الخارج مصدراً مهماً للدخل القومي والعملات الأجنبية. ففي ديسمبر 2024، بلغت هذه التحويلات نحو 3.08 مليار دولار بزيادة سنوية بنسبة 29.3%. ويأتي معظم هذه التحويلات من دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة السعودية والإمارات. ففي ديسمبر 2024، بلغت التحويلات من السعودية 770.6 مليون دولار، بينما سجلت التحويلات من الإمارات 631.5 مليون دولار.
تأثير الصراع المحتمل على التحويلات
في حال اندلاع حرب بين الهند وباكستان، قد تتأثر التحويلات المالية بعدة طرق:
- توقف أو انخفاض حاد في التحويلات إذا اضطر العمال للعودة إلى بلدانهم بسبب تدهور الأوضاع.
- احتمالية استخدام الحكومات الهندية والباكستانية للتحويلات المالية كوسيلة لتمويل المجهود الحربي، مما قد يدفع دول الخليج إلى تشديد الرقابة على هذه التحويلات.
- تأثر سوق الصرف وتقلبات في قيمة العملات، مما سيؤثر على القيمة الفعلية للتحويلات.
يجب الإشارة إلى أن إجمالي التحويلات من دول الخليج في 2023 بلغ نحو 131.5 مليار دولار، وأي اضطراب في هذه التدفقات سيؤثر سلباً على اقتصادات كل من الدول المرسلة والمستقبلة.
تأثير الحرب على أسعار النفط والاقتصاد الإقليمي
تلعب أسعار النفط دوراً محورياً في اقتصادات دول الخليج المعتمدة بشكل كبير على صادرات الطاقة، وأي اضطراب في الأسواق العالمية سيكون له تأثير مباشر على ميزانيات هذه الدول وخططها التنموية.
توقعات ارتفاع أسعار النفط
تشهد أسواق النفط عالمياً ارتفاعاً كبيراً في الأسعار بسبب التوترات في منطقة الشرق الأوسط، وقد شهدت زيادة تجاوزت 10% مؤخراً. ومن المتوقع أن يؤدي تصاعد الصراع بين الهند وباكستان، وهما قوتان نوويتان، إلى مزيد من القلق في أسواق الطاقة العالمية، مما سيدفع أسعار النفط للارتفاع.
هذا الارتفاع في أسعار النفط قد يمثل فرصة قصيرة المدى لدول الخليج المصدرة للنفط من خلال زيادة العائدات، لكنه في المقابل سيضغط على اقتصادات الدول المستوردة للنفط، مما قد يؤثر على الطلب العالمي في المدى المتوسط والطويل.
الاضطرابات في سلاسل التوريد والممرات التجارية
إن التصعيد العسكري في شبه القارة الهندية سيؤثر على حركة التجارة البحرية في المحيط الهندي، وهو أحد أهم الممرات التجارية العالمية الذي تعتمد عليه دول الخليج لصادراتها النفطية وتجارتها الخارجية.
كما أن اضطراب التجارة بين الهند وباكستان سيكون له تأثير غير مباشر على دول الخليج، خاصة تلك التي تعتمد على البلدين في استيراد بعض السلع الأساسية أو التي تستخدم أراضيهما كمحطات ترانزيت لتجارتها مع دول آسيا الأخرى.
المصالح الاستراتيجية والاستثمارات المتبادلة
تتمتع دول الخليج بعلاقات اقتصادية متنامية مع كل من الهند وباكستان، وتشمل استثمارات ضخمة في قطاعات متنوعة، مما يجعلها عرضة للتأثر بأي صراع بين البلدين.
الوجود الاقتصادي الهندي في الخليج
يتجاوز الوجود الهندي في دول الخليج مسألة العمالة إلى الاستثمارات والتجارة. فوفق البيانات المتاحة، يبلغ عدد الشركات الهندية العاملة في الإمارات أكثر من 83 ألف شركة، وفي البحرين 7500 شركة، وفي قطر 6000 شركة، وفي عُمان 6 آلاف شركة، وفي الكويت 4 آلاف شركة، وفي السعودية أكثر من 400 شركة.
وتعمل هذه الشركات في قطاعات متنوعة تشمل البيع بالتجزئة والأدوية والتكنولوجيا والتعليم والعقارات والسياحة، مما يجعل أي اضطراب في العلاقات بين دول الخليج والهند ذا تأثير اقتصادي كبير.
الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني وأهميته للخليج
يمثل الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC) أحد أهم المشاريع الاستراتيجية للصين في إطار مبادرة الحزام والطريق، حيث تستثمر بكين ما يقرب من 57 مليار دولار في مشاريع البنية التحتية والطاقة الباكستانية. ويمتد هذا الممر من منطقة كاشغر في إقليم شينجيانج الصيني وصولاً إلى ميناء جوادر الباكستاني على بحر العرب.
هذا المشروع له أهمية استراتيجية لدول الخليج، حيث يمكن أن يوفر طريقاً برياً للتجارة مع الصين عبر باكستان، مما يقلل من تكلفة ووقت نقل البضائع. لكن أي صراع عسكري في المنطقة سيهدد هذا المشروع ويؤثر سلباً على المصالح الاقتصادية الخليجية المرتبطة به.
المخاطر الأمنية وتأثيرها على بيئة الاستثمار
يشكل التصعيد العسكري بين الهند وباكستان تهديداً للاستقرار الإقليمي، مما ينعكس سلباً على بيئة الاستثمار في المنطقة بشكل عام، بما في ذلك دول الخليج.
زيادة المخاطر الجيوسياسية
إن التصعيد الحالي بين الهند وباكستان، الذي بدأ بهجوم إرهابي في كشمير وتطور إلى ضربات عسكرية متبادلة، يرفع من حدة المخاطر الجيوسياسية في المنطقة. وقد أسفرت المواجهات الأخيرة عن 26 قتيلاً في الجانب الباكستاني وثمانية قتلى في الطرف الهندي، في أخطر مواجهة عسكرية بين البلدين منذ عقدين.
هذه المخاطر تؤثر سلباً على ثقة المستثمرين وتدفق رأس المال إلى المنطقة، بما في ذلك دول الخليج التي ترتبط اقتصاداتها بشكل وثيق بكل من الهند وباكستان.
تهديد الاستقرار الإقليمي
يرتبط الأمن في منطقة الخليج بشكل وثيق بالأمن في جنوب آسيا، وبالتالي فإن أي تصعيد عسكري بين الهند وباكستان سيكون له تداعيات أمنية على دول الخليج. ويجب التأكيد على أن بيئة الأمن النووي في جنوب آسيا تضع أمن الخليج أمام تحد كبير، فهذه البيئة لا تعكس نفسها فقط على الأمن الخليجي، بل إن صياغة أمن الخليج تستوجب بالضرورة مقاربة حالة الأمن النووي هناك.
ومع احتمال تطور الصراع إلى حرب شاملة، هناك مخاوف من تأثيره على استقرار المنطقة بأكملها، مما قد يهدد الاستثمارات والمشاريع التنموية في دول الخليج.










