في عالمٍ تتداخل فيه خيوط السلطة والثروة، وتتشابك فيه المصالح بين الإنسانية والتكنولوجيا، يبرز اسم بيل غيتس كرمز للعبقرية والنجاح الخيري. لكنه يقف اليوم في قلب عاصفة أخلاقية، حيث تتقاطع تبرعاته السخية التي وعد بها فقراء العالم مع اتهامات خطيرة بدعم شركته مايكروسوفت لآلة الحرب الإسرائيلية في غزة. بين ضجيج الاحتفاء بإنجازاته الإنسانية وصيحات الاحتجاج على دور شركته في الإبادة الجماعية، تتجلى صورة معقدة لرجل يعيش على حافة التناقضات.
بيل غيتس بين تبرعات المليارات للفقراء ودعم جيش الاحتلال الإسرائيلي: ازدواجية تثير تساؤلات أخلاقية
في السنوات الأخيرة، تصاعد الجدل حول الدور الذي يلعبه بيل غيتس، الملياردير الأمريكي والمؤسس الشريك لمايكروسوفت، في المشهدين الإنساني والسياسي. فبينما أعلن عن تعهده بالتبرع بكامل ثروته تقريبًا – والتي تقدر بنحو 200 مليار دولار بحلول عام 2045 – لصالح الفقراء حول العالم، تلاحقه الاتهامات بتورط مايكروسوفت في دعم جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال حربه على غزة.
تبرعات إنسانية ضخمة تغطيها ظلال الحرب
تعهد بيل غيتس مؤخرًا بتصفية ثروته الشخصية بالكامل تقريبًا عبر مؤسسته الخيرية، على أن تصل التبرعات إلى 200 مليار دولار بحلول 2045، في محاولة لتعويض تقليص المساعدات الدولية للفقراء حول العالم.
منذ تأسيسها، أنفقت مؤسسة غيتس أكثر من 100 مليار دولار على مشاريع إنسانية وصحية، أسهمت في إنقاذ ملايين الأرواح ودعم حملات التطعيم ومكافحة الأمراض.
مايكروسوفت ودعم آلة الحرب الإسرائيلية
كشفت تقارير وتحقيقات أن مايكروسوفت، الشركة التي أسسها غيتس، قدمت دعمًا تقنيًا مباشرًا للجيش الإسرائيلي خلال عدوانه على غزة، عبر خدمات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، والتي استُخدمت في إدارة قواعد بيانات الأهداف العسكرية وتنفيذ عمليات الاستهداف.
وثائق مسربة أظهرت أن مايكروسوفت عززت تعاونها مع إسرائيل، حيث قفز استخدام الجيش الإسرائيلي لخدمات الشركة بنسبة 155% بين يونيو 2023 وأبريل 2024، وبلغت قيمة الدعم الهندسي والاستشاري نحو 10 ملايين دولار خلال الفترة نفسها.
موظفون داخل مايكروسوفت احتجوا علنًا على هذا التعاون، متهمين الشركة بالمساهمة في الإبادة الجماعية، وواجهوا الفصل من العمل بعد احتجاجات علنية في مناسبات رسمية حضرها غيتس نفسه.
ازدواجية أخلاقية تثير الجدل
تتجلى هنا مفارقة صارخة بين الصورة الإنسانية التي يسعى غيتس لإبرازها من خلال تبرعاته الضخمة، والدور الذي تلعبه شركته في دعم آلة الحرب الإسرائيلية، ما يثير تساؤلات أخلاقية حول حدود المسؤولية الاجتماعية لرؤساء الشركات العملاقة.
يرى مراقبون أن هذه الازدواجية تكشف عن خلل عميق في منظومة العمل الخيري عندما تتقاطع مع مصالح اقتصادية وسياسية تدعم انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
خلاصة
بيل غيتس يقف اليوم أمام اختبار أخلاقي عالمي، بين تبرعاته السخية التي تُنقذ ملايين الفقراء، ودور شركته التقني في دعم آلة حرب متهمة بارتكاب إبادة جماعية في غزة. هذا التناقض يضعه في قلب الجدل حول المسؤولية الأخلاقية لرؤساء الشركات الكبرى، ويعيد طرح سؤال جوهري: هل يمكن فصل العمل الخيري عن مصادر الثروة والدعم التقني للأنظمة القمعية؟





