شهدت محاكم الاستئناف في جميع أنحاء جمهورية مصر العربية اليوم الخميس الموافق 8 مايو 2025 حالة من الشلل التام، نتيجة الإضراب العام الذي نظمته نقابة المحامين احتجاجاً على قرارات زيادة الرسوم القضائية تحت مسمى “مقابل خدمات مميكنة”. وقد تجاوزت نسبة الاستجابة لقرار الإضراب 90%، مما عكس وحدة موقف المحامين في رفض هذه الرسوم التي اعتبروها مخالفة للدستور والقانون وعائقاً أمام الوصول للعدالة. وفي المقابل، عقد رؤساء محاكم الاستئناف اجتماعاً طارئاً لمناقشة تداعيات الإضراب، بينما تباينت ردود فعل القضاة ما بين تأجيل القضايا وشطب الاستئنافات.
تفاصيل الإضراب وأسبابه
قام المحامون في مصر بتنفيذ إضراب شامل اليوم عن الحضور أمام جميع دوائر محاكم الاستئناف ومأمورياتها بالقاهرة وطنطا والإسكندرية والمنصورة والإسماعيلية وبني سويف وأسيوط وقنا. ويأتي هذا الإضراب بعد قرار مجلس نقابة المحامين كإجراء احتجاجي رمزي، استنكاراً لقرارات فرض رسوم إضافية على إجراءات التقاضي، والتي وصفتها النقابة بأنها “مخالفة للدستور والقانون”.
وتابع عبد الحليم علام، نقيب المحامين ورئيس اتحاد المحامين العرب، سير الإضراب العام من خلال غرفة عمليات مُشكّلة بنقابة المحامين. وقد أعلنت غرفة العمليات المركزية بالنقابة العامة للمحامين أن نسبة الاستجابة لقرار الإضراب تجاوزت 90%، وهو ما اعتبرته دليلاً على “وحدة صف الزملاء والتزامهم بالقرار النقابي الصادر دفاعاً عن المهنة وحقوق أعضائها”.
الإجراءات التنظيمية للإضراب
أعلنت نقابة المحامين عن الإجراءات التنظيمية للإضراب، والتي شملت:
- الإضراب العام عن الحضور أمام جميع الدوائر بمحاكم الاستئناف ومأمورياتها لمدة يوم واحد.
- تكليف مجالس النقابات الفرعية بتشكيل فريق عمل من المحامين المقبولين للمرافعة أمام محكمة النقض ومحاكم الاستئناف للحضور وإثبات الإضراب بمحاضر الجلسات.
- متابعة الالتزام بقرار الإضراب وإبلاغ النقابة العامة بأسماء المخالفين لاتخاذ إجراءات المساءلة التأديبية.
- توثيق الإضراب بإرفاق صورة من قرار مجلس النقابة العامة مع إخطار النقابة العامة المسلم لرئاسة محكمة الاستئناف.
أزمة الرسوم القضائية.. خلفية وتداعيات
تعود جذور الأزمة إلى قرارات زيادة الرسوم القضائية، والتي شملت 38 خدمة قضائية أساسية تحت مسمى “مقابل الخدمات”. وقد وصلت الزيادة في بعض الحالات إلى 500%، مما أثقل كاهل المتقاضين والمحامين. وتشمل الخدمات التي طالتها الزيادات تزييل الأحكام بالصيغة التنفيذية، وعرائض الاستئناف، وتصوير الأحكام، وشهادات عدم حصول استئناف، والاستعلام من واقع الجداول المدنية.
ويرى المحامون أن هذه الزيادات تمثل انتهاكاً للدستور والقانون، حيث ينص المبدأ الدستوري على أنه “لا رسوم ولا ضرائب إلا بقانون”. كما أنها تتعارض مع أحكام قضائية سابقة صدرت عن المحكمة الإدارية العليا في 23 ديسمبر 2023، والتي ألغت قرارات مماثلة لفرض رسوم الماسح الضوئي “الميكنة” على صحف الاستئناف في دعاوى الأحوال الشخصية.
تأثير الزيادات على منظومة العدالة
يحذر المحامون من أن زيادة الرسوم القضائية تنطوي على العديد من المخاطر والتأثيرات السلبية على منظومة العدالة، أهمها:
- تحديات الوصول إلى العدالة، خاصة للفئات ذات الدخل المحدود.
- إعاقة حق الدفاع نتيجة لضغط التكاليف.
- تأخير عملية التقاضي حتى توفر الموارد المالية اللازمة.
- التأثير السلبي على العدالة الاجتماعية، حيث يصبح التقاضي متاحاً فقط للقادرين مالياً.
وفي هذا السياق، قال المحامي عبد الجواد أحمد، عضو مجلس نقابة المحامين الأسبق: “الرسوم التي تم فرضها لا تشكل خدمة قانونية للمواطنين، بل قيداً غير مبرر على حقهم الدستوري في الوصول إلى العدالة”. وأضاف أن “زيادة الرسوم بنسبة تفوق الـ500% في بعض الحالات يجعل العدالة غير متاحة للجميع، وبالتالي فإن ذلك يشكل تهديداً حقيقياً لمبدأ المساواة أمام القانون”.
ردود الفعل حول الإضراب
موقف نقابة المحامين
أصدرت نقابة المحامين بياناً رسمياً بعد متابعة تنفيذ قرار الإضراب، أكدت فيه “التزام الأغلبية العظمى من أعضاء الجمعية العمومية بالقرار، بما يكشف عن وحدة موقف المحامين وصلابته دفاعاً عن حقوقهم”. وأشار البيان إلى أن “نفراً قليلاً منهم غلبوا مصالحهم الخاصة على المصلحة العامة، خروجاً على قرار النقابة، بما يستوجب معه اتخاذ اللازم نحو المساءلة التأديبية لمن خالف القرار بغير مبرر أو عذر مقبول”.
وأكد الدكتور أبو بكر ضوة، أمين عام مجلس نقابة المحامين، أن “نقابة المحامين لا تدافع عن مصالح مهنية فقط، بل عن حق المواطن في الوصول إلى العدالة”. وأضاف أن “النقابة لن تقف مكتوفة الأيدي في ظل هذه الأزمة، ومن الواجب على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها في ضمان حق التقاضي للمواطنين دون فرض أعباء مالية غير قانونية”.
موقف القضاء
في المقابل، عقد مجالس رؤساء محاكم الاستئناف الثماني اجتماعاً طارئاً صباح اليوم برئاسة المستشار محمد نصر سيد، رئيس محكمة استئناف القاهرة، لمناقشة تطورات الموقف. وأسفر الاجتماع عن تشكيل لجنة طوارئ وأزمة تختص برصد مجريات الإضراب في مختلف محاكم الاستئناف، ومتابعة حجمه وتأثيره على سير العدالة، إلى جانب بحث آليات التفاوض مع نقيب المحامين وممثلي النقابة من أجل الوصول إلى حلول متوازنة.
وبحسب بيان نقابة المحامين، فقد “استجابت الغالبية العظمى من السادة القضاة الأجلاء رؤساء دوائر الاستئناف، وقاموا بتأجيل الدعاوى في تفهم محترم ومقدر لموقف النقابة”. ولكن البيان أشار أيضاً إلى أن “البعض منهم عصف بالقانون والدستور والعدالة والمواثيق الدولية، وقاموا بشطب الاستئنافات رغم مثول المحامين أمامهم وإثبات الإضراب”.
مبررات الزيادة من وجهة نظر القضاء
برر مصدر قضائي رفيع بمحكمة استئناف القاهرة قرار المحكمة بزيادة الرسوم القضائية بأن “ارتفاع الأسعار بشكل عام فرض واقعاً مالياً جديداً على المحاكم، مما جعل الزيادات ضرورية”. وأوضح أن “المحاكم تتلقى يومياً طلبات من المحامين والمواطنين للحصول على خدمات قضائية متنوعة، كتصوير القضايا واستخراج الشهادات والمستندات، وهذه الخدمات تستهلك ملايين الجنيهات شهرياً من ميزانية المحاكم، وليس من الواقعي أن تتحمل الخزينة العامة للمحاكم هذه النفقات دون مقابل”.
تداعيات الإضراب ومستقبل الأزمة
نتج عن الإضراب حالة من الشلل التام في محاكم الاستئناف على مستوى الجمهورية. وقد أعلنت نقابة المحامين أنها “ستتخذ كافة الإجراءات وتتحمل كافة الأعباء الناتجة عن قرارات الشطب الجائرة، حمايةً لحقوق المحامين والمواطنين الذين تم شطب استئنافاتهم تعسفاً”.
كما أعلنت النقابة أنه “سيتم دعوة مجلس النقابة للانعقاد يوم الأربعاء القادم لاتخاذ القرارات الواجبة في ضوء ما سيتم خلال مهلة الأسبوع التي منحها مجلس النقابة لمصدر القرار لإعادة النظر في القرارات الجائرة التي فجرت الأزمة”.
وتشير الآراء إلى أن الحلول الممكنة يجب أن تتضمن إعادة النظر في تلك الرسوم على ضوء المبادئ القانونية والدستورية، وأن تلتزم الدولة بتقديم خدمة القضاء بشكل مجاني أو برسوم قانونية معقولة فقط.










