شهدت مدينتا جامو وأمرتسار الهنديتان القريبتان من الحدود الباكستانية سلسلة من الانفجارات العنيفة وسط تصاعد غير مسبوق للتوترات العسكرية بين القوتين النوويتين.
بدأت الأحداث مساء الخميس واستمرت حتى يوم الجمعة، حيث شهدت المنطقة تبادلاً للهجمات بالطائرات المسيّرة والصواريخ والقصف المدفعي، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وإجراءات أمنية مشددة.
وقد أسفرت المواجهات العسكرية المتصاعدة عن مقتل ما لا يقل عن 48 شخصاً على الجانبين، غالبيتهم من المدنيين، فيما دعت قوى دولية الطرفين إلى ضبط النفس وتجنب تصعيد الصراع.
هزت انفجارات قوية مطار مدينة جامو في كشمير الهندية مساء الخميس، في ظل المواجهة العسكرية الخطيرة بين الهند وباكستان، وفق ما أفاد مصدر أمني رفض الكشف عن هويته.
وقد غرقت المدينة في الظلام نتيجة انقطاع التيار الكهربائي بعد الانفجارات، مع دوي صفارات الإنذار في أرجاء المدينة.
وكتب عمر عبد الله، رئيس وزراء ولاية جامو وكشمير، منشوراً على منصة “إكس” قال فيه: “انفجارات متقطعة، على الأرجح من المدفعية الثقيلة، لا تزال تتردد في المنطقة حيث أتواجد”.
وأضاف في منشور آخر معلقاً على صورة للمدينة الغارقة في الظلام: “انقطاع التيار الكهربائي في جامو الآن. يمكن سماع صفارات الإنذار في جميع أنحاء المدينة”.
استمرت الانفجارات في جامو لليوم الثاني على التوالي يوم الجمعة، حيث أفاد شاهدان من وكالة رويترز بسماع دوي انفجارات متعددة، فضلاً عن مشاهدة مقذوفات في السماء بعد انقطاع للتيار الكهربائي.
وقد وُصفت الانفجارات التي وقعت في الساعة الرابعة صباحاً بأنها “أكثر حدة وأعلى صوتاً” من ذي قبل، مع اهتزاز النوافذ “كما لو أنها ستتحطم”، وفقاً لشهادة طالبة في جامعة جامو.
سُمعت أربعة انفجارات في مدينة أمرتسار الهندية الواقعة في شمال البلاد قرب الحدود مع باكستان، بحسب ما أفادت به وكالة رويترز.
وقد سادت حالة من الهلع في أمرتسار في الساعات الأولى من يوم 8 مايو حيث اجتاحت الانفجارات العالية المدينة، مما دفع السلطات إلى حث السكان على البقاء في منازلهم مع إطفاء الأنوار.
أُجريت تدريبات دفاع مدني واسعة النطاق في المدينة بأمر من وزارة الداخلية الهندية، مصممة لاختبار الاستعداد للطوارئ وسط تصاعد التوترات بين الهند وباكستان في أعقاب “عملية سيندور”.
كما أطلقت صفارات الإنذار في المدينة لأكثر من ساعتين يوم الجمعة، مما دفع السكان للبقاء في منازلهم. وقد أفاد الصحفي رافيندر سينغ روبين عن سماع “إطلاق نار كثيف” في المدينة، مشيراً في منشور على منصة “إكس” إلى أن “إطلاق نار عالٍ تم اكتشافه بالقرب من ثكنات سلاح الجو بالقرب من طريق أجنالا في أمرتسار”.
بدأ التصعيد الحالي عندما شنت الهند ضربات على تسعة أهداف في باكستان وكشمير الباكستانية يوم الأربعاء 7 مايو 2025، فيما أطلقت عليه “عملية سيندور”.
وصفت الهند الأهداف بأنها “بنية تحتية إرهابية”، بعضها مرتبط بهجوم شنه متشددون على سياح هندوس أسفر عن مقتل 26 شخصاً في الشطر الهندي من كشمير الشهر الماضي.
وقال وزير الدفاع الهندي راجنات سينغ: “تم تدمير أهداف حددناها بدقة وفقاً لاستراتيجية مخططة جيداً… أظهرنا التحلي بالوعي من خلال ضمان عدم تضرر أي سكان مدنيين على الإطلاق”.
وأشار مسؤولون عسكريون هنود إلى أن الهجمات استهدفت منشآت مرتبطة بجماعات إسلامية متشددة، بما في ذلك جيش محمد ولشكر طيبة. شملت الضربات الهندية استهداف إقليم البنجاب الأكثر كثافة سكانية في باكستان لأول مرة منذ الحرب الشاملة الأخيرة بين البلدين قبل أكثر من 50 عاماً.
وصفت باكستان الضربات بأنها “عمل حرب صريح” وأكدت حقها في الرد المناسب. وقد أفاد الجيش الباكستاني بأنه أسقط 25 طائرة مسيرة “إسرائيلية الصنع” أطلقتها الهند باتجاه تسع مدن على الأقل، تقع في عدد منها مقرات عسكرية أو استخبارية.
وأفاد شهود من رويترز بسماع دوي انفجار في مدينة لاهور الباكستانية الخميس، بعد يوم من الضربات الهندية.
وقال علي أفتاب، وهو من سكان لاهور الواقعة على بعد نحو 25 كم من الحدود الهندية، إنه سمع “صوتاً طنيناً” تبعه انفجار حوالي الساعة السابعة صباحاً، وأضاف: “هرعت على الفور إلى السطح ورأيت دخاناً يتصاعد… تم تطويق المنطقة من قبل قوات الأمن بعد وقت قصير من الحادث”.
بعد ذلك، قامت باكستان بشن “هجمات متعددة” باستخدام الطائرات بدون طيار وذخائر أخرى على طول الحدود الغربية للهند بالكامل مساء الخميس وصباح الجمعة، وفقاً للجيش الهندي.
وذكرت التقارير أن باكستان استهدفت مناطق في جامو والبنجاب وراجستان، لكن الهند أعلنت اعتراضها للهجوم.
أدى تبادل القصف المدفعي في كشمير إلى مقتل 10 مدنيين وإصابة 48 في الأراضي الهندية، بينما تم الإبلاغ عن 6 قتلى على الأقل في الجانب الباكستاني.
وبشكل عام، أسفرت المواجهات العسكرية عن مقتل ما لا يقل عن 48 شخصاً على الجانبين، غالبيتهم من المدنيين. وأفاد مسؤول أمني أن “العديد من المنازل أحرقت وتضررت بسبب القصف في أوري… فقدت امرأة حياتها وأصيب آخر من القصف الليلي”.
كما أدت الاشتباكات إلى نزوح السكان من المناطق الحدودية، حيث “يعاني السكان في المناطق الحدودية من قلق متزايد، وقد هجر العديد منهم منازلهم بحثاً عن ملاذ في أماكن أخرى أو ملاجئ مؤقتة”.
دفعت حالة التوتر السلطات الهندية إلى اتخاذ إجراءات احترازية مشددة، فقد حث عمر عبد الله الناس في جامو وحولها على البقاء بعيداً عن الشوارع والبقاء في المنازل أو في أقرب مكان يمكنهم البقاء فيه براحة لبضع ساعات قادمة.
كما نصح بتجاهل الشائعات وعدم نشر قصص غير مثبتة أو غير موثقة. تم تنفيذ تدريبات إطفاء الأنوار في المناطق الحدودية في الهند ليلة الأربعاء، بما في ذلك في مدينة أمرتسار الحدودية الشمالية التي تضم المعبد الذهبي المقدس لدى السيخ.
وأفادت وسائل الإعلام المحلية عن عمليات شراء ذعر في بعض المدن في ولاية البنجاب الهندية التي تشترك في حدود مع باكستان، حيث قام الناس بتخزين المواد الأساسية خوفاً من رد باكستاني على الضربات الهندية.
شهدت أسواق الأسهم في الهند انخفاضاً بعد أنباء الضربات. وفتح مؤشر نيفتي 50 القياسي منخفضاً بنسبة 0.6٪ لكنه تعافى لاحقاً ليتداول بارتفاع 0.1٪، كما ارتفع مؤشر سينسيكس بنسبة 0.1٪. وتم تسجيل الروبية الهندية عند 84.5875 للدولار الأمريكي، مما يعكس انخفاضاً بنسبة 0.2٪ لليوم.
أما في باكستان، فقد انخفض مؤشر الأسهم الرئيسي في البداية بنسبة 5.78٪ لكنه استقر لاحقاً، متداولاً بانخفاض بنحو 1.6٪ بحلول الساعة 0600 بتوقيت جرينتش.
وألغت العديد من شركات الطيران، بما في ذلك أكبر ناقل في الهند، إنديجو، وكذلك إير إنديا والخطوط الجوية القطرية، رحلاتها في مناطق من الهند وباكستان بسبب إغلاق المطارات والمجال الجوي.
وتم إغلاق حوالي 20 مطاراً في الهند، ومن المتوقع أن يستمر الإغلاق حتى 15 مايو. كما تم تعليق الدوري الهندي الممتاز للكريكيت (IPL) لمدة أسبوع، وأعلن مجلس الكريكيت الباكستاني تعليق بطولة الدوري الباكستاني الممتاز (PSL) “إلى أجل غير مسمى”.
دعت القوى العالمية بما في ذلك الولايات المتحدة والصين البلدين إلى خفض التصعيد. وصرح نائب الرئيس الأمريكي جاي دي فانس أن الولايات المتحدة تأمل في مشاهدة “خفض للتصعيد” في التوترات المتصاعدة بين الهند وباكستان، لكنه أكد أن الوضع “ليس من شأننا في الأساس”.
ووصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الصراع بأنه “عار” وأعرب عن أمله في حل سريع. وذكرت وزارة الخارجية أن وزير الخارجية ماركو روبيو تواصل مع مستشاري الأمن القومي في كلا البلدين، مشجعاً إياهم على الحفاظ على الاتصال وتجنب مزيد من التصعيد.
كما دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى ضبط النفس من الطرفين، وكذلك فعلت الصين وروسيا، اللتان تشتركان في حدود مع كلا البلدين.
تشكل المواجهة الحالية بين الهند وباكستان أخطر تصعيد عسكري بين القوتين النوويتين منذ أكثر من عقدين. ويفوق حجم العملية العسكرية الهندية الحالية بشكل كبير ردودها السابقة على الهجمات في كشمير المنسوبة إلى باكستان، بما في ذلك الضربة الجوية الهندية على باكستان عام 2019 بعد مقتل 40 ضابطاً من قوات شبه عسكرية هندية، وردها على مقتل 18 جندياً في عام 2016.
وقد أشار محللون إلى أن “نظراً لحجم الضربة الهندية، التي هي أكثر شمولاً بكثير مما شهدناه في عام 2019، يمكننا توقع رد كبير من باكستان”.
فيما أكد آخرون أن البلدين لا يزال أمامهما “فرصة للتراجع” وأن “الهند ملتزمة بالسلام، لكن قرار خفض التصعيد يعتمد على باكستان”.
مع استمرار الانفجارات والاشتباكات على طول خط السيطرة في كشمير، يزداد القلق الدولي من احتمال اندلاع حرب شاملة بين البلدين.
ولا تزال الجهود الدبلوماسية الدولية تسعى لاحتواء الأزمة والحيلولة دون وقوع كارثة إقليمية محتملة قد تؤثر على الاستقرار في جنوب آسيا بأكملها.