حميدتي رئيساً والحلو نائباً: تحالف السودان التأسيسي يكشف عن هيكل قيادته الجديد

بات تحالف السودان التأسيسي خطوة أقرب نحو تشكيل حكومة موازية بعد اختيار قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي” رئيسًا له، فيما تم اختيار رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان عبد العزيز الحلو نائبًا للرئيس. وتأتي هذه الخطوة وسط مساعٍ لتوحيد جهود المعارضين للجيش السوداني، ما قد يعمق الانقسام السياسي في البلاد التي تعاني منذ أكثر من عامين من صراع مسلح ومشكلات إنسانية متفاقمة.

تفاصيل التشكيل الجديد وتوزيع المناصب

كشفت مصادر خاصة أن اختيار حميدتي لرئاسة التحالف والحلو كنائب له يأتي ضمن ترتيبات متفق عليها لتقاسم السلطة داخل التحالف. وبحسب المعلومات المتاحة، فإن قوات الدعم السريع ستستحوذ على نحو 40% من هياكل السلطة الموازية، بينما تحصل الحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو على 30%، وتوزع النسبة المتبقية (30%) على بقية مكونات التحالف، مثل الجبهة الثورية، وحزب الأمة القومي، والقوى الأخرى المنضوية تحت لواء التحالف.

وتشير التقارير إلى أن المجلس الرئاسي المقترح للحكومة الموازية سيتكون من 15 عضوًا، بمن فيهم حكام الأقاليم، مع اتجاه لمنح رئاسة الوزراء إلى كفاءات مستقلة (تكنوقراط) بعيدًا عن المحاصصة الحزبية. كما تم الاتفاق على تحديد ثلاثة مستويات للحكم: المركزي والإقليمي والمحلي، وإعادة تقسيم السودان إلى 8 أقاليم وفقًا للدستور الجديد الذي أقره التحالف.

وقالت المصادر إن المشاورات لا تزال مستمرة لاختيار بقية أعضاء المجلس الرئاسي، تمهيدًا للانتقال إلى المرحلة التالية وهي تشكيل ما يسمى “حكومة السلام” التي يسعى التحالف لإعلانها في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع.

الميثاق السياسي والدستور الانتقالي: نحو سودان علماني

وقع تحالف السودان التأسيسي في فبراير ومارس الماضيين بالعاصمة الكينية نيروبي وثائقه التأسيسية ممثلة في “الميثاق السياسي والدستور الانتقالي”، حيث نصت على علمانية الدولة وفصل الدين عنها.

ويتضمن الدستور الانتقالي الذي وقعه التحالف إلغاء “الوثيقة الدستورية لسنة 2019” وكل القوانين والقرارات والمراسيم الصادرة بموجبها، وإعلان السودان “دولة علمانية ديمقراطية لا مركزية تقوم على فصل الدين عن الدولة، وفصل الهويات الثقافية والعرقية والجهوية عن الدولة، وتأكيد المواطنة المتساوية أساسًا للحقوق والواجبات”.

كما ينص الدستور الجديد على تأسيس جيش جديد مهني أساسه “قوات الدعم السريع” و”الجيش الشعبي لتحرير السودان” و”الحركات المسلحة الموقعة على الدستور”، وحل “ميليشيات حزب المؤتمر الوطني” ومرجعيته الدينية “الحركة الإسلامية”.

مكونات التحالف: تنوع سياسي وعسكري

تشكل تحالف السودان التأسيسي في 22 فبراير 2025 في العاصمة الكينية نيروبي، ويضم 24 كيانًا سياسيًا ومدنيًا وحركات مسلحة، أبرزها:

• قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)
• الحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال بقيادة عبد العزيز الحلو
• حزب الأمة القومي
• الحزب الاتحادي الديمقراطي
• قوى الجبهة الثورية
• شخصيات وطنية ومدنية، بينها 3 أعضاء سابقين بمجلس السيادة

وقد أثارت مشاركة فضل الله برمه ناصر من حزب الأمة القومي في الإعداد للميثاق السياسي للتحالف ردود فعل واسعة، حيث أعلن الأمين العام لحزب الأمة القومي، الدكتور الواثق البرير، أن الحزب غير معني بالتوقيع على الميثاق. وهو ما يشير إلى وجود انقسامات داخل بعض الأحزاب المشاركة في التحالف.

خلافات وانقسامات داخلية

لم تمر عملية تشكيل تحالف السودان التأسيسي دون خلافات داخلية بين مكوناته. فقد شهدت الفترة الماضية خلافات بين قوات الدعم السريع والحركة الشعبية حول رئاسة المجلس الرئاسي، مما أدى إلى تأجيل الإعلان عن التحالف حتى التوصل إلى الاتفاق الأخير.

كما أثارت مشاركة عبد العزيز الحلو في تحالف يضم قوات الدعم السريع مطالبات من شباب الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال بتنحيه عن قيادة الحركة. وجاء في بيان لهم أن مشاركة الحلو في اجتماع نيروبي مع قوات الدعم السريع تُعد “خيانة لمبادئ الحركة” و”تطبيعًا مع قوى متهمة بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات ضد المدنيين”.

ردود فعل دولية رافضة

استنكر الاتحاد الأفريقي توجه قوات الدعم السريع وحلفائها لتشكيل حكومة موازية في السودان، محذرًا من خطر تقسيم البلاد. وقال الاتحاد الأفريقي في بيان إنه “لا يعترف بما يسمى الحكومة الموازية أو الكيان الموازي في جمهورية السودان”، كما دعا جميع الدول الأعضاء وكذلك المجتمع الدولي إلى “عدم الاعتراف بأي حكومة أو كيان مواز يهدف إلى تقسيم جمهورية السودان أو مؤسساتها وحكم جزء من أراضيها”.

كما أعلن الاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن الدولي موقفًا مماثلًا رافضًا للحكومة الموازية، وهو الموقف الذي رحبت به الخارجية السودانية.

تصريحات حميدتي وخطط السيطرة العسكرية

في تصعيد جديد للأزمة السودانية، أدلى قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) بتصريحات هامة في مارس 2025، حيث أعلن عزمه السيطرة على بورتسودان، وأكد أن قواته دمرت ما يقارب 70% من مقاتلات الجيش السوداني.

وأكد حميدتي في تصريحاته أن قواته “تعمل على تحرير السودان بالكامل”، مضيفًا أن “دماء الشهداء لن تضيع هدرًا” وأن قواته ستتكفل برعاية أسر ضحايا الحروب السودانية.

وفي إشارة إلى رؤيته للدولة، قال حميدتي: “لا نبحث عن السلطة بل نريد سودانًا موحدًا ومستقرًا بعيدًا عن الفتن والصراعات المفتعلة”، مشيرًا إلى أن “هناك مخططًا لإشعال الفتن في دارفور” وأن قواته “تعمل على إحباطه”.

هل يتجه السودان نحو التقسيم؟

يثير تشكيل تحالف السودان التأسيسي وإعلان حكومة موازية مخاوف جدية بشأن احتمال تقسيم السودان إلى كيانين متنافسين، أحدهما في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش ويتخذ من بورتسودان عاصمة له، والآخر في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع.

وقد عززت تصريحات حميدتي التي أعلن فيها عن “صناعة عملة جديدة” و”إصدار هوية جديدة” هذه المخاوف. كما أن الإعلان عن مجلس رئاسي من 15 عضوًا يمثلون مختلف أقاليم السودان يشير إلى نية التحالف بناء هياكل حكم موازية تتجاوز منطقة جغرافية محددة.

وفي ظل استمرار الصراع العسكري واتساع رقعة الانقسام السياسي، يبدو أن السودان يواجه تحديات غير مسبوقة تهدد وحدته الوطنية وسلامة أراضيه، وسط مخاوف من تحول الصراع المسلح إلى حالة انفصال واقعية، حتى وإن لم تحصل على اعتراف دولي.

تداعيات الوضع على المستويين المحلي والإقليمي

من المرجح أن يؤدي تشكيل الحكومة الموازية إلى تعميق الأزمة السياسية في السودان وتعقيد جهود الوساطة الدولية لإنهاء الصراع. كما قد يؤدي ذلك إلى تراجع فرص الحل السياسي الشامل الذي يحافظ على وحدة البلاد.

وعلى المستوى الإقليمي، قد يشكل انقسام السودان تهديدًا للأمن والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي بأكملها، خاصة مع تزايد التدخلات الخارجية في شؤون البلاد من قبل قوى إقليمية متنافسة.

كما أن الأزمة الإنسانية المتفاقمة في السودان منذ بداية الصراع المسلح قد تزداد سوءًا مع استمرار الانقسام السياسي، ما يهدد حياة الملايين من السودانيين الذين يعانون بالفعل من نقص الغذاء والدواء والخدمات الأساسية.

في ختام هذا التقرير، يبدو أن السودان أمام مفترق طرق حاسم، فإما أن ينجح المجتمع الدولي في دفع الأطراف المتصارعة نحو حل سياسي شامل يحفظ وحدة البلاد، أو سيتجه السودان نحو انقسام مؤسسي وسياسي قد يكون مقدمة لانقسام جغرافي فعلي، ما يجعل عملية استعادة الوحدة الوطنية أكثر صعوبة وتعقيدًا في المستقبل.